وقال قتادة : بلغنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال : «هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها» (١) : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف : ١٥٩].
وقال معاوية : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا تزال من أمّتي أمّة قائمة بأمر الله لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك» (٢).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) الآية.
والذين فيه وجهان : أظهرهما : أنّه مبتدأ ، وخبره الجملة الاستقبالية بعده.
والثاني : أنّه منصوب على الاشتغال بفعل مقدّر تقديره : سنستدرج الذين كذّبوا ، والاستدراج التقريب منزلة منزلة ، والأخذ قليلا قليلا من الدّرج ؛ لأنّ الصّاعد يرقى درجة درجة وكذلك النّازل.
وقيل : هو مأخوذ من الدّرج وهو الطيّ ، ومنه درج الثّوب : طواه ، ودرج الميّت مثله ، والمعنى : تطوى آجالهم.
وقرأ النخعي (٣) وابن وثّاب : سيستدرجهم بالياء ، فيحتمل أن يكون الفاعل الباري تعالى وهو التفات من المتكلم إلى الغيبة ، وأن يكون الفاعل ضمير التكذيب المفهوم من قوله : «كذّبوا» ؛ وقال الأعشى في الاستدراج : [الطويل]
٢٦٣٧ ـ فلو كنت في جبّ ثمانين قامة |
|
ورقّيت أسباب السّماء بسلّم |
ليستدرجنك القول حتّى تهرّه |
|
وتعلم أنّي عنكم غير مفحم (٤) |
فصل
ويقال : درج الصّبيّ : إذا قارب بين خطاه ، ودرج القوم : مات بعضهم إثر بعض.
فصل
لمّا ذكر حال الأمة الهادية العادلة ، أعاد ذكر المكذبين بآيات الله تعالى فقال : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وهذا يعمّ كل مكذب ، وعن ابن عبّاس : المراد أهل مكة (٥) ، وهو بعيد.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٣٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٧٢) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) أخرجه البخاري (٧٤٦٠) ومسلم (١٠٣٧ / ١٧٤) ، وأحمد ٤ / ١٠١ ، من حديث معاوية.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٤٨٢ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٢٩ ، والدر المصون ٣ / ٣٧٦.
(٤) ينظران في ديوانه ١٨٢ ، الكشاف ٢ / ١٣٣ ، الكتاب ٢ / ٢٨ ، مجاز القرآن ١ / ٣٠٢ ، ابن يعيش ٢ / ٧٤ ، الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٣٢ ، التهذيب ١ / ٦٤٦ ، اللسان : سبب ، درج ، الدر المصون ٣ / ٣٧٦.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٢٠٩).