ونظيره قوله في سورة يونس : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [يونس : ٤٨ ، ٤٩].
قال ابن عبّاس : إنّ أهل مكة قالوا : يا محمّد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فنشتري به ، ونربح فيه عند الغلاء ، وبالأرض التي تريد أن تجدب ، فنرحل عنها إلى ما قد أخصبت ؛ فأنزل الله هذه الآية (١).
وقيل : لمّا رجع عليه الصّلاة والسّلام من غزوة بني المصطلق جاءت ريح في الطّريق ففرت الدوابّ فأخبر عليه الصلاة والسلام بموت رفاعة بالمدينة ، وكان فيه غيظ للمنافقين ، وقال انظروا أين ناقتي؟ فقال عبد الله بن أبي : ألا تعجبون من هذا الرّجل يخبر عن موت رجل بالمدينة ، ولا يعرف أين ناقته! فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنّ ناسا من المنافقين قالوا كيت وكيت ، وناقتي في هذا الشعب قد تعلّق زمامها بشجرة ، فوجدوها على ما قال ؛ فأنزل الله عزوجل (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا).
قوله : «لنفسي» فيه وجهان :
أحدهما : أنّها متعلقة ب «أملك».
والثاني : أنّها متعلقة بمحذوف على أنّها حال من نفعا ؛ لأنه في الأصل صفة له لو تأخر ، ويجوز أن يكون لنفسي معمولا ب «نفعا» واللّام زائدة في المفعول به تقوية للعامل ؛ لأنّه فرع إذ التّقدير : لا أملك أن أنفع نفسي ولا أن أضرّها ، وهو وجه حسن.
قوله (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) في هذا الاستثناء وجهان :
أظهرهما : أنّه متّصل ، أي إلّا ما شاء الله تمكيني منه فإني أملكه.
والثاني : أنّه منفصل ـ وبه قال ابن عطيّة ـ ، وسبقه إليه مكيّ ، ولا حاجة تدعو إلى ذلك.
فصل
دلّت هذه الآية على مسألة خلق الأعمال ؛ لأنّ الإيمان نفع والكفر ضرّ ؛ فوجب أن لا يحصلان إلّا بمشيئة الله تعالى ؛ لأنّ القدرة على الكفر إن لم تكن صالحة للإيمان فخالق تلك الدّاعية الجازمة يكون مريدا للكفر ، فعلى جميع التقديرات : لا يملك العبد لنفسه نفعا ، ولا ضرّا إلا ما شاء الله.
أجاب القاضي عنه بوجوه :
أحدها : أن ظاهر الآية ، وإن كان عاما بحسب اللّفظ إلّا أنّا ذكرنا أنّ سبب النّزول قول الكفّار : «يا محمّد ألا يخبرك ربّك بوقت السعر الرخيص قبل أن يغلو» فيحمل اللفظ
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٧٦) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس ؛ وذكره البغوي في «تفسيره» ، (٢ / ٢٢٠).