العام على سبب نزوله ، فيكون المراد بالنفع : تملك الأموال وغيرها ، والمراد بالضرّ وقت القحط وغيره.
وثانيها : أنّ المراد بالنّفع والضر ما يتّصل بعلم الغيب لقوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) [الأعراف : ١٨٨].
وثالثها : أن التقدير : لا أملك لنفسي من النّفع والضر إلّا قدر ما شاء الله أن يقدرني عليه ويمكنني فيه ، وهذه الوجوه كلّها عدول عن الظّاهر ، فلا يصار إليها مع قيام البرهان القاطع العقلي على أن الحق ليس إلّا ما دل عليه ظاهر الآية.
فصل
احتج الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ على عدم علمه بالغيب بقوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) واختلفوا في المراد بهذا الخير وقوله «وما مسّني السّوء» قال ابن جريج :
قل لا أملك لنفسي نفعا ، ولا ضرّا من الهدى والضلالة ، ولو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من الخير ، أي : من العمل الصّالح وما مسّني السّوء ، واجتنبت ما يكون من الشّر واتّقيته.
وقيل : لو كنت أعلم الغيب أي : متى تقوم السّاعة لأخبرتكم حتّى تؤمنوا وما مسّني السّوء بتكذيبكم.
وقيل : ما مسني السّوء ابتداء يريد : وما مسّني الجنون ؛ لأنّهم كانوا ينسبونه إلى الجنون ، وقال ابن زيد : المراد بالسّوء : الضرّ ، والفقر ، والجوع.
قوله «وما مسّني السّوء» عطف على جواب «لو» وجاء هنا على أحسن الاستعمال من حيث أثبت اللّام في جواب «لو» المثبت ، وإن كان يجوز غيره ، كما تقدّم ، وحذف اللّام من المنفيّ ، لأنه يمتنع ذلك فيه.
وقال أبو حيّان (١) : ولم تصحب «ما» النّافية ـ أي : اللام ـ وإن كان الفصيح ألّا تصحبها ، كقوله : (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) [فاطر : ١٤]. وفيه نظر ؛ لأنّهم نصّوا على أنّ جوابها المنفيّ لا يجوز دخول اللّام عليه.
قوله : (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) نذير لمن لا يصدق بما جئت به ، وبشير بالجنّة لقوم يصدقون.
وذكر إحدى الطائفتين ؛ لأنّ ذكر إحداهما يفيد ذكر الأخرى ، كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١].
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٣٤.