وقد يقال : إنه كان نذيرا وبشيرا للكل إلّا أنّ المنتفع بالنذارة والبشارة هم المؤمنون كما تقدّم في قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢].
واللّام في قوله [القوم] من باب التّنازع ، فعند البصريين تتعلق ب «بشير» لأنه الثّاني ، وعند الكوفيين بالأول لسبقه.
ويجوز أن يكون المتعلّق بالنذارة محذوفا ، أي : نذير للكافرين ودلّ عليه ذكر مقابله كما تقدم.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(١٩٣)
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) الآية.
اعلم أنّه تعالى رجع هنا إلى تقرير التّوحيد ، وإبطال الشرك.
قال ابن عبّاس : المراد بالنفس الواحدة آدم ـ عليه الصلاة والسلام (١) ـ (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [النساء : ١] أي حواء خلقها الله من ضلع آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ من غير أذى ليسكن إليها أي : ليأنس بها ويأوي إليها قالوا : والحكمة في كونها مخلوقة من نفس آدم : أنّ الجنس أميل إلى جنسه.
قال ابن الخطيب : وهذا مشكل ؛ لأنّه تعالى لمّا كان قادرا على خلق آدم ابتداء فما الذي يحملنا على أن نقول خلق حواء من جزء من أجزاء آدم؟ ولم لم نقل إنّه تعالى خلق حواء أيضا ابتداء؟ وأيضا فالقادر على خلق الإنسان من عظم واحد لم لا يقدر على خلقه ابتداء؟ وأيضا فقولهم إنّ عدد أضلاع الجانب الأيسر من الذّكر أنقص من عدد أضلاع الجانب الأيمن بشيء واحد ، على خلاف الحسن والتّشريح. وإذا عرف ذلك فنقول : المراد من كلمة من في قوله : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أنّ الإشارة إلى شيء تكون تارة بحسب شخصه ، وتارة بحسب نوعه.
قال عليه الصّلاة والسّلام هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به.
والمراد نوعه لا ذلك الفرد المعين ، وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في يوم عاشوراء هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والمراد : نوعه.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٤١) عن مجاهد.