قوله : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) يجوز أن يعود الضمير على ما من حيث المعنى وعبّر عن ما وهو مفرد بضمير الجمع ؛ لأنّ لفظة ما تقع على الواحد والاثنين والجمع فهي من صيغ الواحد بحسب لفظها ، ومحتملة للجمع فالله تعالى اعتبر الجهتين ؛ فوحّد قوله يخلق لظاهر اللفظ وجمع قوله : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) للمعنى ، والمراد بها الأصنام وعبر عنهم ب «هم» وجمعهم بالواو والنون ، لاعتقاد الكفار فيها ما يعتقدونه في العقلاء أو لأنهم مختلطون بمن عبد من العقلاء كالمسيح وعزير ، أو يعود على الكفّار ، أي : والكفار مخلوقون فلو تفكّروا في ذلك لآمنوا.
فصل
دلّت هذه الآية على أنّ العبد لا يخلق أفعاله ؛ لأنّه تعالى طعن في إلاهية الأصنام لكونها لا تخلق شيئا وهذا الطّعن لا يتمّ إلّا إذا قلنا بأنّها لو كانت خالقة لشيء لم يتوجه الطعن في إلاهيتها ، وهذا يقتضي أنّ من كان خالقا كان إلها ، فلو كان العبد خالقا لأفعال نفسه كان إلها ، ولمّا كان ذلك باطلا علمنا فساد هذا القول.
قوله : (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً) أي : أن الأصنام لا تنصر من أطاعها ، ولا تضرّ من عصاها ، وهو المراد بقوله : (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ).
قوله : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) الظاهر أنّ الخطاب للكفّار ، وضمير النّصب للأصنام ، أي : وإن تدعوا آلهتكم إلى طلب هدى ورشاد ـ كما تطلبونه من الله ـ لا يتابعوكم على مرادكم ، ويجوز أن يكون الضمير للرسول والمؤمنين ، والمنصوب للكفّار ، أي وإن تدعوا أنتم هؤلاء الكفار إلى الإيمان ، ولا يجوز أن يكون تدعوا مسندا إلى ضمير الرسول فقط ، والمنصوب للكفّار أيضا ؛ لأنّه كان ينبغي أن تحذف الواو ، لأجل الجازم ، ولا يجوز أن يقال : قدّر حذف الحركة وثبت حرف العلّة ؛ كقوله : [البسيط]
٢٦٤٧ ـ هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا |
|
من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع (١) |
ويكون مثل قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) [يوسف : ٩٠] ، (فَلا تَنْسى) [الأعلى : ٦] (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) [طه : ٧٧] لأنّه ضرورة ، وأمّا الآيات فمؤولة وسيأتي ذلك.
قوله : (لا يَتَّبِعُوكُمْ) قرأ نافع (٢) بالتخفيف ، وكذا في الشعراء (يَتَّبِعُهُمُ) [٢٤٤].
__________________
(١) ينظر : الإنصاف ١ / ٢٤ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٥٩ ، والدرر ١ / ١٦٢ ، سر صناعة الإعراب ٢ / ٦٣٠ ، شرح التصريح ١ / ٨٧ ، شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٨٤ ، شرح شواهد الشافية ص ٤٠٦ ، المفصل ١٠ / ١٠٤ ، المقاصد النحوية ١ / ٢٣٤ ، الممتع في التصريف ٢ / ٥٣٧ ، المنصف ٢ / ١١٥ ، همع الهوامع ١ / ٥٢ ، والدر المصون ٣ / ٣٨٤.
(٢) ينظر : السبعة ٢٩٩ ، والحجة ٤ / ١١٣ ، وإعراب القراءات ١ / ٢١٩ ، وحجة القراءات ٣٠٥ ، وإتحاف ٢ / ٧١.