بحيث يتولّى الصّالحين ، وهذه الأصنام ليست كذلك فلا تكن صالحة للإلهية.
القول الثاني : أنّ هذه الأحوال المذكورة صفات لهؤلاء المشركين الذين يدعون غير الله يعني أنّ الكفار كانوا يخوفون رسول الله وأصحابه ، فقال تعالى : إنهم لا يقدرون على شيء بل إنهم قد بلغوا في الجهل والحماقة إلى أنك لو دعوتهم وأظهرت أعظم أنواع الحجة والبرهان لم يسمعوا ذلك بعقولهم ألبتة.
فإن قيل : لم يتقدّم ذكر المشركين ، وإنما تقدّم ذكر الأصنام فكيف يصح ذلك؟
والجواب : أن ذكرهم تقدم في قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ) [الأعراف : ١٩٥].
قوله : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) فإن حملنا هذه الصفات على الأصنام فالمراد من كونها ناظرة كونها مقابلة بوجهها وجوه القوم من قولهم : جبلان متناظران أي : متقابلان ، وإن حملناها على المشركين أي إنهم وإن كانوا ينظرون إلى النّاس إلّا أنهم لشدّة إعراضهم عن الحقّ لم ينتفعوا بذلك النّظر ، والرّؤية ؛ فصاروا كأنّهم عمي.
قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٢٠٣)
قوله : «خذ العفو».
قال عبد الله بن الزّبير : أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم بأخذه العفو من أخلاق النّاس.
قال مجاهد : يعني خذ العفو من أخلاق النّاس وأعمالهم من غير تجسّس وذلك مثل قبول الاعتذار ، والعفو المتساهل ، وترك البحث عن الأشياء ونحو ذلك (١). روي أنّه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبريل : ما هذا؟ قال : لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال : «إنّ الله يأمر أنّ تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمّن ظلمك» (٢).
قال العلماء : تفسير جبريل ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مطابق للفظ الآية ؛ لأنّك إن وصلت من قطعك فقد عفوت عنه ، وإن أعطيت من حرمك فقد أتيت بالمعروف ، وإذا عفوت عمّن ظلمك فقد أعرضت عن الجاهلين.
وقال ابن عبّاس ، والسديّ ، والضحاك ، والكلبيّ : المعنى خذ ما عفا لك من
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٥٢).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٥٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٢٨٠) وزاد نسبته لابن أبي الدنيا وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.