أموالهم وهو الفضل من العيال ، وذلك معنى قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة : ٢١٩] ثم نسخت هذه الآية بالصّدقات المفروضات (١).
قوله : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) ، أي : بالمعروف ، وهو كلّ ما يعرفه الشّرع ، وقال عطاء : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) بلا إله إلا الله (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) يعني أبا جهل وأصحابه ، نسختها آية السّيف ، وقيل : إذا تسفه عليك الجاهل ، فلا تقابله بالسّفه كقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣].
قال جعفر الصّادق : ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.
فصل
اعلم أنّ تخصيصهم قوله : (خُذِ الْعَفْوَ) بما ذكروه من أخذ الفضل تقييد للمطلق من غير دليل ، وأيضا إذا حملناه على أداء الزّكاة ، كالمقادير المخصوصة منافيا لذلك ؛ لأنّ أخذ الزكاة مأمور بأن لا يأخذ كرائم الأموال ولا يشدد الأمر على المزكي ، فلم يك إيجاب الزّكاة ناسخا لهذه الآية.
وأمّا قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فالمقصود منه أمر الرّسول بأن يصبر على سوء أخلاقهم ، وأن لا يقابل أقوالهم الركيكة وأفعالهم الخسيسة بأمثالها وليس فيه دلالة على المنع من القتال ؛ لأنّه لا يمتنع أن يؤمر عليه الصّلاة والسّلام بالإعراض عن الجاهلين مع الأمر بقتال المشركين فإنّه لا تناقض بأن يقول الشّارع لا تقابل سفاهتهم بمثلها ولكن قاتلهم ، وإذا أمكن الجمع بين الأمرين ؛ فلا حاجة إلى التزام النّسخ.
قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) الآية.
قال : عبد الرحم بن زيد : لما نزل قوله : (خُذِ الْعَفْوَ) الآية : قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كيف يا رب بالغضب (٢)؟
فنزل قوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) الآية والنّزغ : أدنى حركة تكون ، قاله الزّجّاج ، ومن الشّيطان أدنى وسوسة وقال عبد الرحمن بن زيد لما نزلت : قوله وأكثر ما يسند للشيطان ؛ لأنه أسرع في ذلك وقيل النّزغ الدخول في أمر لإفساده.
وقال الزمخشري (٣) : والنّزغ والنّسغ : الغرز والنّخس ، وجعل النزغ نازغا كما قيل «جدّ جدّه» يعني : قصد بذلك المبالغة.
وقيل : النّزغ : الإزعاج ، وأكثر ما يكون عند الغضب وأصله الانزعاج بالحركة إلى الشّرّ ، وتقريره : أنّ الآمر بالمعروف إذا أمر بما يهيج السفيه ويظهر السّفاهة فعند ذلك
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ٧٨ ـ ٧٩).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٥٥).
(٣) ينظر : تفسير الزمخشري ٢ / ١٩٠.