يوم الجمعة ، وهذا بعيد لأنّ الآية مكّية والجمعة وجبت بالمدينة (١).
فصل
اختلفوا في القراءة خلف الإمام في الصّلاة ، فروي عن عمر ، وعثمان ، وعليّ ، وابن عباس ومعاذ ، وجوب القراءة سواء جهر الإمام بالقراءة أو أسرّ ، وهو قول الأوزاعي ، والشافعي ؛ وروي عن ابن عمر ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد : أنّ المأموم يقرأ فيما أسر الإمام فيه ، ولا يقرأ إذا جهر ، وبه قال الزهري ، ومالك ، وابن المبارك ، وأحمد وإسحاق ، وروي عن جابر أنّ المأموم لا يقرأ سواء أسر الإمام أم جهر ، وبه (٢) قال الثّوري ، وأصحاب الرأي ، وتمسك من لا يرى القراءة خلف الإمام بظاهر هذه الآية ، ومن أوجبها قال : الآية في غير الفاتحة ، ويقرأ الفاتحة في سكتات الإمام ولا ينازع الإمام في القراءة.
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) الآية.
قال ابن عباس : يعني بالذّكر : القراءة في الصلاة ، يريد يقرأ سرا في نفسه (٣).
قوله (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) في نصبهما وجهان :
أظهرهما : أنّهما مفعولان من أجلهما ، لأنّه يتسبب عنهما الذّكر.
والثاني : أن ينتصبا على المصدر الواقع موقع الحال ، أي : متضرعين خائفين ، أو ذوي تضرع وخيفة.
وقرىء «وخفية» (٤) بتقديم الفاء ، وقيل : هما مصدران للفعل من معناه لا من لفظه ذكره أبو البقاء. وهو بعيد.
قوله : «ودون الجهر» قال أبو البقاء : معطوف على تضرّع ، والتقدير : ومقتصدين. وهذا ضعيف ؛ لأنّ دون ظرف لا يتصرّف على المشهور ، قال فالذي ينبغي أن يجعل صفة لشيء محذوف ذلك المحذوف هو الحال ، كما قدّره الزمخشري فقال : ودون الجهر ومتكلما كلاما دون الجهر ، لأنّ الإخفاء أدخل في الإخلاص ، وأقرب إلى حسن التفكر.
فصل
معنى تضرّعا وخيفة أي : تتضرّع إليّ وتخاف منّي ، هذا في صلاة السّر وقوله ودون الجهر أراد في صلاة الجهر لا تجهر جهرا شديدا ، بل في خفض وسكون تسمع من خلفك.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٦١).
(٢) أشار إليه البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٢٦).
(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٤٤٠) والبغوي (٢ / ٢٢٦) والقرطبي في «تفسيره» (٧ / ٢٢٥).
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٩١.