عن عبادته. لمّا رغّب رسوله في الذّكر ذكر عقيبه ما يقوّي دواعيه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) أي أنّ الملائكة مع نهاية شرفهم وغاية طهارتهم وبراءتهم من بواعث الشّهوة والغضب ، والحقد ، والحسد ، مواظبون على العبوديّة والسّجود ، والخضوع ، فالإنسان المبتلى بظلمات عالم الجسمانيات ومستعدا للذات البشرية أولى بالمواظبة على الطّاعة ، والمراد بالعندية القرب بالشّرف.
واستدلّوا بهذه الآية على أنّ الملائكة أفضل من البشر ، لأنّه تعالى لمّا أمر رسوله بالعبادة والذكر قال : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) أي : فأنت أحقّ وأولى بالعبادة ، وهذا إنّما يصحّ إذا كانت الملائكة أفضل منه.
قوله : (وَيُسَبِّحُونَهُ) أي : ينزّهونه ويقولون سبحان الله : (وَلَهُ يَسْجُدُونَ)».
فإن قيل كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) [الحجر : ٣٠ ، ٣١] والمراد أنهم سجدوا لآدم؟
فالجواب : قال بعض العلماء : الذين سجدوا لآدم ـ عليهالسلام ـ ملائكة الأرض ، وأمّا ملائكة السّموات فلا ، وقيل : إنّ قوله (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) يفيد أنّهم ما سجدوا لغير الله بهذا العموم ، وقوله : فسجدوا لآدم خاص والخاصّ مقدّم على العام.
فصل
روى أبو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله! أمر ابن آدم بالسّجود فسجد فله الجنّة وأمرت بالسّجود فعصيت فلي النّار» (١).
وعن معدان قال : سألت ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قلت : حدّثني حديثا ينفعني الله به.
قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : ما من عبد يسجد لله سجدة إلّا رفعه الله بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة (٢).
وروي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من قرأ سورة الأعراف جعل الله بينه وبين إبليس سترا وكان آدم شفيعا له يوم القيامة قريبا منه» (٣).
__________________
(١) أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح ١ / ٧. كتاب الإيمان : باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة الحديث (١٣٣ / ٨١).
(٢) أخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٣٥٣ ، كتاب الصلاة : باب فضل السجود. الحديث (٢٢٥ / ٤٨٨).
(٣) أخرجه الواحدي في «الوسيط» (٢ / ٣٤٥) وهو حديث أبيّ الطويل في فضائل القرآن سورة سورة ، وهو حديث موضوع.