واحتجّ من قال : ترك الطّاعة يوجب زوال الإيمان بهذه الآية ؛ لأنّ المعلّق بكلمة «إن» على الشّيء عدم عند عدم الشّيء.
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٢)
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الآية.
لمّا بيّن أن الإيمان لا يحصل إلا بالطاعة قال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) يقال : «وجل» الماضي بالكسر «يوجل» بالفتح ، وفيه لغة أخرى ، قرىء بها في الشّاذ وجلت بفتح الجيم في الماضي وكسرها في المضارع ، فتحذف الواو ، ك : وعد يعد ، ويقال في المشهورة : وجل يوجل ، ومنهم من يقول «ياجل» بقلب الواو ألفا ، وهو شاذ ؛ لأنّه قلب حرف العلّة بأحد السّببين وهو انفتاح ما قبل حرف العلّة دون تحركه وهو نظير «طائيّ» في النّسب إلى «طيّىء».
ومنهم من يقول : «ييجل» بكسر حرف المضارعة ، فتقلب الواو ياء ، لسكونها وانكسار ما قبلها ، وقد تقدّم في أول الكتاب أنّ من العرب من يكسر حرف المضارعة بشروط منها : أن لا يكون حرف المضارعة ياء إلّا في هذه اللّفظة ، وفي أبي يئبى. ومنهم من ركّب من هاتين اللغتين لغة أخرى وهي فتح الياء وقلب الواو ياء ، فقال «ييجل» فأخذ قلب الواو ممّن كسر حرف المضارعة ، وأخذ فتح الياء من لغة الجمهور.
والوجل : الفزع.
وقيل : استشعار الخوف يقال منه : وجل يوجل ، وياجل ، وييجل ، وييجل ، وجلا فهو وجل.
فصل
معنى الآية : إنّما المؤمنون الصّادقون في إيمانهم : «الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم» خافت وفرقت ، وقيل : إذا خوفوا بالله انقادوا خوفا من عقابه. «وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا» وتصديقا ويقينا ، قال عمر بن حبيب وكانت له صحبة : إن للإيمان زيادة ونقصانا ، قيل فما زيادته؟ قال : إذا ذكرنا الله وحمدناه فذلك زيادته ، وإذا سهونا وغفلنا فذلك نقصانه (١).
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي : «إنّ للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا ، فمن استكملها استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان» (٢).
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» المسمى «بمعالم التنزيل» (٢ / ٢٢٩).
(٢) انظر : المصدر السابق.