إذا عرف ذلك نقول كانت كراهية القتال حاصلة لبعضهم لقوله تعال : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) [الأنفال : ٥] والحق الذي جادلوا فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلقي النفير لايثارهم العير.
قوله تعالى : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)(٦)
قوله : «بعد ما تبيّن» المراد منه : إعلام رسول الله بأنّهم ينصرون ، وجدالهم قولهم : ما كان خروجنا إلّا للعير ، وهلّا قلت لنا لنستعدّ ونتأهّب للقتال ؛ لأنّهم كانوا يكرهون القتال ثمّ إنّه تعالى شبّه حالهم في فرط فزعهم بحال من يجرّ إلى القتل ، ويساق إلى الموت وهو شاهد لأسبابه ناظر إلى موجباته ، ومنه قوله عليهالسلام : «من نفى ابنه وهو ينظر إليه» أي يعلم أنّه ابنه ، كقوله تعالى : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) [النبأ : ٤٠] أي يعلم وكان خوفهم لأمور :
أحدها : قلّة العدد.
وثانيها : كانوا رجّالة ، روي أنه ما كان فيهم إلا فارسان. وثالثها : قلة السلاح.
قوله : يجادلونك يحتمل أن يكون مستأنفا إخبارا عن حالهم بالمجادلة ، ويحتمل أن يكون حالا ثانية أي : أخرجك في حال مجادلتهم إيّاك ، ويحتمل أن يكون حالا من الضّمير في لكارهون ، أي : لكارهون في حال جدال.
والظاهر أنّ الضمير المرفوع يعود على الفريق المتقدّم.
ومعنى المجادلة قولهم : كيف تقاتل ولم نستعد للقتال؟ ويجوز أن يعود على الكفّار ، وجدالهم ظاهر.
قوله : بعد ما تبيّن منصوب بالجدال ، و «ما» مصدرية ، أي : بعد تبينه ووضوحه ، وهو أقبح من الجدال في الشّيء قبل إيضاحه.
وقرأ عبد (١) الله «بيّن» مبنيا للمفعول من : بيّنته أي : أظهرته ، وقوله : «وهم ينظرون» حال من مفعول يساقون.
قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ)(٧)
قوله «وإذ يعدكم» «إذ» منصوب بفعل مقدر ، أي : اذكر إذ ، والجمهور على رفع الدال ؛ لأنّه مضارع مرفوع.
وقرأ مسلمة بن (٢) محارب : بسكونها على التّخفيف لتوالي الحركات.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٥٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٩٧.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٣ ، والدر المصون ٣ / ٣٩٧.