قال : إنّكم تريدون الطائفة التي لا حدة لها ، يعني : العير ، ولكن الله يريد التّوجّه إلى الطائفة الأخرى ليحق الحقّ بكلماته.
وقرأ مسلمة (١) بن محارب : «بكلمته» على التّوحيد ، والمراد به : اسم الجنس فيؤدّي مؤدّى الجمع ، والمراد بقوله : «بكلماته» أي : بأمره إيّاكم بالقتال ، وقيل : بهدايته التي سبقت من إظهار الدّين وإعزازه. «ويقطع دابر الكافرين» والدّابر الآخر من دبر ، ومنه دابرة الطّائر وقطع الدّابر عبارة عن الاستئصال أي : ليستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد.
قوله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)(٨)
قوله : «ليحقّ» فيه وجهان :
أحدهما : أنّه متعلق بما قبله ، أي : ويقطع ليحق الحقّ ، والثاني : أن يتعلّق ، بمحذوف تقديره : ليحقّ الحقّ فعل ذلك ، أي : ما فعله إلّا لهما ، وهو إثبات الإسلام وإظهاره وزوال الكفر ومحقه.
قال الزمخشريّ (٢) : «ويجب أن يقدّر المحذوف مؤخرا ليفيد الاختصاص وينطبق عليه المعنى». وهذا على رأيه ، وهو الصحيح.
فإن قيل : قوله : (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) ثم قوله بعد ذلك : «ليحقّ الحقّ» تكرير محض.
فالجواب : أنّ المراد بالأوّل سبب ما وعد الله به هذه الواقعة من النّصر والظّفر بالأعداء.
والمراد بالثاني : تقوية القرآن والدّين ونصرة هذه الشّريعة ؛ لأنّ الذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين سبب لعزة الدّين وقوته ، ولهذا قرنه بقوله : (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) الذي هو الشرك ، وذلك في مقابلة : «الحقّ» الذي هو الدين والإيمان.
فإن قيل : الحقّ حقّ لذاته ، والباطل باطل لذاته ، وما ثبت للشيء لذاته ؛ فإنّه يمتنع تحصيله بجعل جاعل فما المراد من تحقيق الحقّ وإبطال الباطل.
الجواب : المراد من تحقيق الحقّ وإبطال الباطل إظهار كون ذلك الحقّ حقّا ، وإظهار كون الباطل باطلا ، وذلك يكون تارة بإظهار الدّلائل والبينات ، وتارة بتقوية رؤساء الباطل.
فصل
احتجوا بقوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) في مسألة خلق الأفعال.
__________________
(١) وقرأ بها أبو جعفر ، ونافع ، وشيبة بخلاف عنهم كما في : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٤ ، وينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٥٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٩٧.
(٢) ينظر : الكشاف : ٢ / ٢٠٠.