قالوا : يجب حمله على أنه يوجد الحقّ ويكونه ، والحقّ ليس إلّا الدين والاعتقاد ، فدل على أنّ العقائد الحقة لا تحصل إلّا بتكوين الله ، ولا يمكن حمل تحقيق الحقّ على إظهار آثاره ؛ لأنّ ذلك الظّهور حصل بفعل العباد ، فامتنع إضافة ذلك الإظهار إلى الله تعالى ، ولا يمكن أن يقال : المراد من إظهاره وضع الدلائل عليها ، لأنّ هذا المعنى حاصل في حق الكافر والمسلم.
وقبل هذه الواقعة وبعدها فلا يبقى لتخصيص هذه الواقعة بهذا المعنى فائدة أصلا.
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على أنّه لا يريد تحقيق الباطل وإبطال الحق ألبتّة ، إنّما يريد تحقيق الحقّ ، وإبطال الباطل ، وذلك يبطل قول من يقول إنّه لا باطل ولا كفر إلّا والله تعالى مريد له.
وأجيبوا : بأنه يثبت في أصول الفقة أنّ المفرد المحلى بالألف واللّام ينصرف إلى المعهود السّابق فهذه الآية دلّت على أنّه تعالى أراد تحقيق الحق ، وإبطال الباطل في الصّورة ، فلم قلتم إنّ الأمر كذلك في جميع الصّور؟.
وقد بيّنا أيضا بالدّليل أنّ هذه الآية تدلّ على صحّة قولنا.
ثم قال تعالى : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) أي : المشركون.
قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)(٩)
قوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الآية.
في «إذ» خمسة أوجه :
أحدها : أنّه منصوب ب «اذكر» مضمرا ، ولذلك سمّاه الحوفي مستأنفا ، أي : إنّه منقطع عمّا قبله.
والثاني : أنّه منصوب ب «يحقّ» أي : يحقّ الحقّ وقت استغاثتكم ، وهو قول ابن جرير وهو غلط ؛ لأنّ «ليحقّ» ، مستقبل ؛ لأنّه منصوب بإضمار «أن» و «إذ» ظرف لما مضى ، فكيف يعمل المستقبل في الماضي؟.
الثالث : أنّه بدل من «إذ» الأولى ، قاله الزمخشري ، وابن عطيّة ، وأبو البقاء وكانوا قد قدّموا أنّ العامل في «إذ» الأولى «اذكر» مقدرا.
الرابع : أنّه منصوب ب «يعدكم» قاله الحوفيّ ، وقبله الطبري.
الخامس : أنّه منصوب بقوله «تودّون» قاله أبو البقاء ، وفيه بعد لطول الفصل.
واستغاث : يتعدّى بنفسه ، وبالباء ، ولم يجىء في القرآن إلّا متعدّيا بنفسه ، حتّى نقم ابن مالك على النحويين قولهم : المستغاث له ، أو به ، والمستغاث من أجله ، وقد أنشدوا على تعدّيه بالحرف قول الشاعر : [البسيط]