وقال آخرون لم يقاتلوا وإنّما كانوا يكثرون السّواد ويثبتون المؤمنين ، وإلّا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا كلهم فإنّ جبريل ـ عليهالسلام ـ أهلك بريشة من جناحه مدائن قوم لوط ، وأهلك بلاد ثمود ، وقوم صالح بصيحة واحدة.
وقد تقدّم الكلام في كيفية هذا الإمداد في سورة آل عمران ، ويدلّ على أنّ الملائكة لم يقاتلوا قوله (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى) إذا جعلنا الضمير عائدا على الإرداف.
قال الزّجّاج : «وما جعل الله المردفين إلا بشرى» وهذا أولى ؛ لأنّ الإمداد بالملائكة حصل بالبشرى.
(وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) والمقصود التّنبيه على أنّ الملائكة وإن كانوا قد نزلوا في موافقة المؤمنين ، إلّا أنّ الواجب على المؤمن أن لا يعتمد على ذلك ، بل يجب أن يكون اعتماده على الله ونصره وكفايته ؛ لأنّ الله هو العزيز الغالب الحكيم فيما ينزل من النّصرة فيضعها في موضعها.
قوله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ)(١١)
قوله : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ) في «إذ» وجوه :
أحدها : أنّه بدل من «إذ» في قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ) قال الزمخشريّ : «إذ يغشاكم» بدل ثان من : «إذ يعدكم».
قوله : «ثان» ؛ لأنه أبدل منه «إذ» في قوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ) ووافقه على هذا ابن عطيّة ، من : (إِذْ يَعِدُكُمُ).
قوله : «ثان» ؛ لأنه أبدل منه «إذ» في قوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ) ووافقه على هذا ابن عطيّة ، وأبو البقاء.
الثاني : أنّه منصوب ب «النصر».
الثالث : بما في عند الله من معنى الفعل.
الرابع : ب «(ما جَعَلَهُ اللهُ).
الخامس : بإضمار «اذكر» ذكر ذلك الزمخشريّ. وقد سبقه إلى الرابع : الحوفيّ.
وقد ضعّف أبو حيان الوجه الثّاني بثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ فيه إعمال المصدر المقرون ب «أل» قال : وفيه خلاف : ذهب الكوفيّون إلى أنّه لا يعمل.
الثاني : أنّ فيه فصلا بين المصدر ومعموله بالخير ، وهو قوله : «إلّا من عند الله» ولو قلت : «ضرب زيد شديد عمرا» لم يجز.
الثالث : أنه عمل ما قبل «إلّا» فيما بعدها ، وليس أحد الثلاثة الجائز ذلك فيها ؛ لأنّه لا يعمل ما قبلها فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى ، أو مستثنى منه أو صفة له.
وقد جوّز الكسائيّ والأخفش : إعمال ما قبل «إلّا» فيما بعدها مطلقا ، وليس في