ورابعها : أنّ النعاس غشيهم دفعة واحدة مع كثرتهم وحصول النّعاس للجمع العظيم على الخوف الشّديد أمر خارق للعادة.
فلهذا قيل : إنّ ذلك النّعاس في حكم المعجز.
فإن قيل : فإذا كان الأمر كذلك فلم خافوا بعد ذلك؟.
فالجواب : لأنّ المعلوم أنّ الله تعالى يجعل جند الإسلام مظفرا منصورا ، وذلك لا يمنع من ضرورة بعضهم مقتولين.
قال ابن عباس : «النّعاس في القتال أمنة من الله ، وفي الصّلاة وسوسة من الشّيطان»(١).
قوله : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) العامّة على «ماء» ، و «ليطهّركم» متعلق ب : «ينزّل».
وقرأ الشعبيّ (٢) : «ما ليطهركم» بألف مقصورة ، وفيها تخريجان ، أشهرهما وهو الذي ذكره ابن جني وغيره ـ «أنّ» «ما» بمعنى «الّذي» و «ليطهّركم» صلتها.
قال بعضهم : تقديره : الذي هو ليطهركم. فقدّر الجار خبرا لمبتدأ محذوف ، والجملة صلة ل «ما» وقد ردّ أبو حيان هذين التخريجين بأنّ لام «كي» لا تقع صلة.
والثاني : أن «ما» هو ماء بالمدّ ، ولكن العرب قد حذفت همزته فقالوا : «شربت ما» بميم منونة حكاه ابن مقسم.
وهذا لا نظير له ، إذ لا يجوز أن ينتهك اسم معرب بالحذف حتّى يبقى على حرف واحد ، إذا عرف هذا ؛ فيجوز أن يكون قصر «ماء» ، وإنّما لم ينونه إجراء للوصل مجرى الوقف ، ثم هذه الألف تحتمل أن تكون عين الكلمة ، وأنّ الهمزة محذوفة ، وهذه الألف بدل من الواو التي في «موه» في الأصل ، ويجوز أن تكون المبدلة من التّنوين ، وأجرى الوصل مجرى الوقف ، والأوّل أولى ، لأنّهم يراعون في الوقف ألّا يتركوا الموقوف عليه على حرف واحد نحو : «مر» اسم فاعل من : أرى يري.
فصل
روي أنّهم حفروا موضعا في الرّمل ، فصار كالحوض الكبير ، واجتمع فيه الماء حتّى شربوا منه وتطهروا وتزودوا.
وقيل : إنّهم لمّا عطشوا ولم يجدوا الماء ثمّ ناموا واحتلموا تضاعفت حاجتهم إلى الماء ثم إنّ المطر نزل وزالت عنهم تلك البليّة والمحنة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٩٢) عن عبد الله بن مسعود وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٣٤) عن ابن مسعود أيضا.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٠٢ ، البحر المحيط ٤ / ٤٦٢ ، الكشاف ٢ / ٢٠٣.