وقيل : إنّ ربط قلوبهم أوجب ثبات الرّبط.
وقيل : لمّا نزل المطر حصل للكافرين ضدّ ما حصل للمؤمنين ؛ لأنّ الموضع الذي نزل الكفار فيه كان موضع التّراب والوحل ، فلمّا نزل المطر عظم الوحل ؛ فصار ذلك مانعا لهم من المشي كيفما أرادوا فقوله : «ويثبّت به الأقدام» يدلّ دلالة المفهوم على أنّ حال الأعداء كان بخلاف ذلك.
قوله تعالى : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)(١٢)
قوله : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ) في «إذ» أوجه :
أحدها : أنّه بدلّ ثالث من قوله (وَإِذْ يَعِدُكُمُ).
الثاني : أن ينتصب بقوله «يثبّت».
قالهما الزمخشريّ ولم يبن ذلك على عود الضمير.
وأمّا ابن عطية (١) : فبناه على عود الضّمير في قوله «به» فقال : العامل في «إذ» العامل الأول على ما تقدّم فيما قبلها ، ولو قدّرناه قريبا لكان قوله : «ويثبّت» على تأويل عوده على الرّبط.
وأمّا على تأويل عوده على : «الماء» فيقلق أن يعمل «ويثبّت» في «إذ» وإنّما قلق ذلك عنده لاختلاف زمان التثبّت وزمان الوحي ، فإنّ إنزال المطر وما تعلّق به من تعليلات متقدم على تغشية النّعاس ، وهذا الوحي وتغشية النّعاس والإيحاء كانا وقت القتال.
قوله : (أَنِّي مَعَكُمْ) مفعول ب «يوحي» أي : يوحي كوني معكم بالغلبة والنصر.
وقرأ عيسى (٢) بن عمر ـ بخلاف عنه ـ (أَنِّي مَعَكُمْ) بكسر الهمزة وفيه وجهان :
أحدهما : أنّ ذلك على إضمار القول ، وهو مذهب البصريين.
والثاني : إجراء «يوحي» مجرى القول ؛ لأنّه بمعناه ، وهو مذهب الكوفيين.
فصل
في المعنى وجهان : أحدهما : أنّه تعالى أوحى إلى الملائكة بأنّه تعالى معهم أي مع الملائكة حال إرسالهم ردءا للمسلمين.
والثاني : أنّه تعالى أوحى إلى الملائكة أني مع المؤمنين فانصروهم ، وثبتوهم ، وهذا أولى ؛ لأن المقصود إزالة التّخويف ، والملائكة لم يخافوا الكفّار ، وإنّما الخائف هم المسلمون.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٧.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠٧ ، البحر المحيط ٤ / ٤٦٣ ، الدر المصون ٣ / ٤٠٣.