في «زحفا» وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على المصدر ، وذلك النّاصب له في محلّ نصب على الحال ، والتقدير : إذا لقيتم الذين كفروا زاحفين زحفا أو يزحفون زحفا.
والثاني : أنه منصوب على الحال بنفسه ، ثمّ اختلفوا في صاحب الحال ، فقيل : الفاعل أي وأنتم زحف من الزّحوف ، أي : جماعة ، أو وأنتم تمشون إليهم قليلا قليلا ، على حسب ما يفسّر به الزّحف ، وسيأتي.
وقيل : هو المفعول ، أي : وهم جمّ كثير ، أو يمشون إليكم.
وقيل : هي حال منهما ، أي : لقيتموهم متزاحفين بعضكم إلى بعض ، والزّحف الدّنو قليلا قليلا ، يقال : زحف يزحف إليه بالفتح فيهما فهو زاحف زحفا ، وكذلك تزحّف وتزاحف وأزحف لنا عدوّنا ، أي : دنوا لقتالنا.
وقال اللّيث : الزّحف : الجماعة يمشون إلى عدوّهم ؛ قال الأعشى : [الكامل]
٢٦٨٦ ـ لمن الظّعائن سيرهنّ تزحّف |
|
مثل السّفين إذا تقاذف تجدف (١) |
وهذا من باب إطلاق المصدر على العين ، والزّحف : الدّبيب أيضا ، من زحف الصبيّ قال امرؤ القيس : [المتقارب]
٢٦٨٧ ـ فزحفا أتيت على الرّكبتين |
|
فثوبا لبست وثوبا أجرّ (٢) |
ويجوز جمعه على : زحوف ومزاحف ، لاختلاف النوع ؛ قال الهذليّ : [الوافر]
٢٦٨٨ ـ كأنّ مزاحف الحيّات فيه |
|
قبيل الصّبح آثار السّياط (٣) |
ومزاحف : جمع «مزحف» اسم المصدر.
قوله : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) مفعول : «تولّوهم» الثّاني هو «الأدبار» ، وكذا «دبره» مفعول ثان ل : «يولّهم» وقرأ (٤) الحسن : بالسّكون كقولهم : عنق في عنق ، وهذا من باب التّعريض حيث ذكر لهم حالة تستهجن من فاعلها ؛ فأتى بلفظ الدّبر دون الظّهر لذلك ، وبعضهم من أهل علم البيان سمّى هذا النوع كناية ، وليس بشيء.
قوله : «(إِلَّا مُتَحَرِّفاً) في نصبه وجهان :
__________________
(١) البيت نسبه صاحب البحر للأعشى كما ذكره المصنف وليس في ديوانه ونسب لأبي حفص وغيره.
ينظر : زاد المسير ٣ / ٧٣٣١ البحر المحيط ٤ / ٤٨ ، الدر المصون ٣ / ٤٠٧.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر البيت في ديوان الهذليين ٢ / ٢٥ والبحر ٤ / ٤٦٨ ، واللسان (زحف) وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٢٧٣ والدر المصون ٣ / ٤٠٧.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٠ ، البحر المحيط ٤ / ٤٧٠.