فانهزمنا ، فقلنا يا رسول الله : نحن الفرّارون ، فقال : «لا بل أنتم العكّارون» أنا فئة المسلمين(١).
وقال محمد بن سيرين : «لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر فقال : لو انحاز إليّ كنت له فئة فأنا فئة كلّ مسلم» (٢).
وقيل : حكم الآية عام في كل حرب ، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام : «من الكبائر الفرار يوم الزّحف» والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب.
وقال عطاء بن أبي رباح : «هذه الآية منسوخة بقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ)(٣) [الأنفال : ٦٦] فليس للقوم أن يفرّوا من مثلهم فنسخت تلك إلّا في هذه العدة.
وعلى هذا أكثر أهل العلم أنّ المسلمين إذا كانوا على الشطر من عددهم لا يجوز لهم الفرار إلّا متحرفا أو متحيّزا إلى فئة ، وإن كانوا أقلّ من ذلك جاز لهم أن يولوا عنهم وينحازوا عنهم». قال ابن عباس : «من فرّ من ثلاثة فلم يفر ، ومن فرّ من اثنين فقد فرّ» (٤).
قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ)(١٨)
قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) في هذه «الفاء» وجهان :
أحدهما ـ وبه قال الزمخشري ـ : أنّها جواب شرط مقدر ، أي : إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم.
قال أبو حيان : «وليست جوابا ، بل لربط الكلام بعضه ببعض».
قوله (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) قرأ (٥) الأخوان ، وابن عامر : (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) ، (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) بتخفيف «لكن» ورفع الجلالة ، والباقون بالتّشديد ونصب الجلالة ، وقد تقدّم توجيه القراءتين في قوله : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ) [البقرة : ١٠٢] وجاءت «لكن» هنا أحسن مجيء لوقوعها بين نفي وإثبات.
قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) نفى عنه الرمي ، وأثبته له ، وذلك باعتبارين ، أي : ما
__________________
(١) أخرجه أحمد (٢ / ٧٠ ، ١٠٠) وأبو داود (٢ / ٥٢ ـ ٥٣) كتاب الجهاد : باب في التولي يوم الزحف حديث (٢٦٤٧).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠١.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٥) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٦) وعزاه للشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس.
(٥) ينظر : حجة القراءات ص (٣٠٩) ، إتحاف ٢ / ٧٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥١١ ، البحر المحيط ٤ / ٤٧١ ، الدر المصون ٣ / ٤٠٩.