وهذه الجملة تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون استئنافية أخبر اللّعين بذلك لتظنّيه (١) قال تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) [سبأ : ٢٠] ، أو لأنّه علمه بطريق قيل : لأنه كان قد رأى ذلك في اللّوح المحفوظ. ويحتمل أن تكون داخلة في حيّز ما قبلها من جواب القسم فتكون معطوفة على قوله : «لأقعدنّ» أقسم على جملتين مثبتين ، وأخرى منفيّة.
قوله تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ)(١٨)
ف (مَذْمُوماً مَدْحُوراً) حالان من فاعل «اخرج» عند من يجيز تعدد الحال لذي حال واحدة ، ومن لا يجيز ذلك ف «مدحورا» صفة ل «مذؤما» أو هي حال من الضّمير في الجارّ قبلها ، فيكون الحالان متداخلين.
و (مَذْؤُماً مَدْحُوراً) اسما مفعول من : ذأمه ودحره. فأمّا ذأمه فيقال : بالهمز : ذأمه ، يذأمه كرأمه يرأمه ، وذامه يذيمه كباعه يبيعه من غير همز ، وعليه قولهم : «لن تعدم الحسناء ذاما» (٢) يروى بهمزة ساكنة أو ألف ، وعلى اللّغة الثّانية قول الشاعر : [الطويل]
٢٤٢٤ ـ تبعتك إذ عيني عليها غشاوة |
|
فلمّا انجلت قطّعت نفسي أذيمها (٣) |
فمصدر المهموز : ذأم كرأس ، وأمّا مصدر غير المهموز فسمع فيه ذام بألف ، وحكى ابن الأنباريّ فيه ذيما كينع قال : يقال : ذأمت الرّجل أذأمه ، وذمته أذيمه ذيما ، وذممته أذمّه ذمّا بمعنى ؛ وأنشد : [الخفيف]
٢٤٢٥ ـ وأقاموا حتّى أبيروا جميعا |
|
في مقام وكلّهم مذءوم (٤) |
والذّامّ : العيب ومنه المثل المتقدّم : «لن تعدم الحسناء ذاما» أي كلّ امرأة حسنة لا بدّ أن يكون فيها عيب ما وقالوا : «أردت أن تذيمه فمدهته» أي : «تعيبه فمدحته» فأبدل الحاء هاء. وقيل : الذّام : الاحتقار ، ذأمت الرجل : أي احتقرته ، قاله الليث.
وقيل : الذّام الذّمّ ، قاله ابن قتيبة وابن الأنباريّ ؛ قال أميّة : [المتقارب]
٢٤٢٦ ـ وقال لإبليس ربّ العباد |
|
[أن] اخرج لعينا دحيرا مذوما (٥) |
والجمهور على «مذءوما» بالهمز.
__________________
(١) في ب : لظنه.
(٢) ينظر فصل المقال ٤٤ ، والدر المصون ٣ / ٢٤٤.
(٣) تقدم.
(٤) البيت لحسان بن ثابت ينظر : ديوانه ٩٢ ، الدر المصون ٣ / ٢٤٤.
(٥) البيت ينظر : ديوانه ٢٣٥ ، تفسير الرازي ١٤ / ٤٤ ، الدر المصون ٣ / ٢٤٥.