رميت على الحقيقة إذ رميت في ظاهر الحال ، أو ما رميت الرّعب في قلوبهم إذ رميت الحصيات والتراب.
وقوله : (وَما رَمَيْتَ) هذه الجملة عطف على قوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) ؛ لأنّ المضارع المنفي ب «لم» في قوة الماضي المنفي ب «ما» فإنّك إذا قلت : «لم يقم» كان معناه : ما قام ولم يقل هنا : فلم تقتلوهم إذ قتلموهم ، كما قال : (إِذْ رَمَيْتَ) مبالغة في الجملة الثانية.
فصل
قال مجاهد : «سبب نزول هذه الآية أنّهم لمّا انصرفوا من القتال كان الرّجل يقول : أنا قتلت فلانا ، ويقول الآخر مثله فنزلت الآية» ومعناها : فلم تقتلوهم أنتم بقوتكم ولكنّ الله قتلهم بنصره إياكم وتقويته لكم (١).
وقيل : ولكن الله قتلهم بإمداد الملائكة.
وقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
الأول : وهو قول أكثر المفسّرين أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ندب النّاس ، فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا ، ووردت عليهم روايا قريش ، وفيهم أسلم غلام أسود لبني الحجاج ، وأبو يسار غلام لبني العاص بن سعد ، فأتوا بهما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أين قريش؟.
قالا : هم وراء الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ، والكثيب : العقنقل.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لهما : كم القوم؟ قالا : كثير.
قال : ما عددهم؟ قالا : لا ندري.
قال : كم ينحرون كلّ يوم؟ قالا : يوما عشرة ، ويوما تسعة.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم القوم ما بين التسعمائة إلى الألف ، ثم قال : فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو البختري بن هشام ، وحكم بن حزام ، والحارث بن عامر ، وطعمة بن عديّ ، والنضر بن الحارث ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» فلما أقبلت قريش ، ورآها رسول الله صلىاللهعليهوسلم تصوب من العقنقل ، وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي.
فقال : «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك ، وتكذب رسولك ، اللهمّ فنصرك الّذي وعدتني» ، فأتاه جبريل ، فقال : خذ قبضة من تراب ، فارمهم بها ، فلمّا التقى الجمعان ، تناول رسول الله كفا من الحصى عليه تراب ، فرمى به وجوه القوم
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٦) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.