وقيل : على الرمي قالهما مكيّ ، والظّاهر أنها تعود على الله تعالى.
وقوله : «بلاء» يجوز أن يكون اسم مصدر ، أي : إبلاء ، ويجوز أن يكون أريد بالبلاء نفس الشيء المبلو به ، والمراد من هذا البلاء الإنعام أي : ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر.
قال القاضي (١) : ولو لا أنّ المفسرين اتفقوا على حمل البلاء هنا على النعمة ، وإلّا لكان يحتمل المحنة بالتكليف فيما بعده من الجهاد ثمّ قال تعالى (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعائكم «عليم» بنيّاتكم.
قوله : «ذلكم» يجوز فيه الرفع على الابتداء أي : ذلكم الأمر ، والخبر محذوف قاله الحوفيّ ، والأحسن أن يقدّر الخبر ذلكم البلاء حق وحتم.
وقيل : هو خبر مبتدأ ، أي : الأمر ذلكم ، وهو تقدير سيبويه.
وقيل : محلّه نصب بإضمار فعل أي : فعل ذلكم ، والإشارة ب «ذلكم» إلى القتل والرمي والإبلاء.
قوله : (وَأَنَّ اللهَ) يجوز أن يكون معطوفا على : «ذلكم» فيحكم على محلّه بما يحكم على محلّ : «ذلكم» ، وأن يكون في محلّ نصب بفعل مقدّر أي : واعلموا أنّ الله ، وقد تقدم ما في ذلك.
وقال الزمخشريّ : «إنّه معطوف على : «وليبلي» والمعنى : أنّ الغرض إبلاء المؤمنين ، وتوهين كيد الكافرين». وقرأ ابن عامر (٢) والكوفيون : «موهن» بسكون الواو وتخفيف الهاء ، من «أوهن» ك : أكرم ، ونوّن «موهن» غير حفص ، وقرأ الباقون : «موهّن» بفتح الواو ، وتشديد الهاء ، والتنوين ، ف «كيد» منصوب على المفعول به في قراءة غير حفص ، ومخفوض في قراءة حفص ، وأصله النّصب وقراءة الكوفيين جاءت على الأكثر ؛ لأن ما عينه حرف حلق غير الهمزة تعديته بالهمزة ولا يعدّى بالتّضعيف إلّا كلم محفوظ نحو : وهّنته وضعّفته.
فصل
توهين الله كيدهم يكون بأشياء :
بإطلاع المؤمنين على عوراتهم.
وإلقاء الرعب في قلوبهم وتفريق كلمتهم.
ونقض ما أبرموا بسبب اختلاف عزائمهم.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ١١٣.
(٢) ينظر : السبعة ص (٣٠٤ ـ ٣٠٥) ، الحجة ٤ / ١٢٧ ، حجة القراءات ص (٣٠٩) ، إعراب القراءات ١ / ٢٢٢ ، إتحاف ٢ / ٧٨ ، النشر ٢ / ٢٧٦.