فثبت أنّ كلمة «لو» لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، وإنّما تفيد مجرد الاستلزام ، وهذا دليل حسن إلّا أنّه خلاف قول الجمهور.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَ رْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٢٦)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) الآية.
قال أبو عبيدة ، والزجاج : «استجيبوا» معناه : أجيبوا ؛ وأنشدوا قول الغنوي : [الطويل]
٢٦٩٠ ـ .......... |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب (١) |
وهذه الآية تدلّ على أنّ الأمر يفيد الوجوب ؛ لأنها تدل على أنه لا بدّ من الإجابة في كل ما دعاه الله إليه.
فإن قيل : قوله (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ) أمر. فلم قلتم : إنّه على الوجوب؟ وهل النّزاع إلا فيه ، فيرجع حاصل هذا الكلام إلى إثبات أنّ الأمر للوجوب بناء على أنّ هذا الأمر يفيد الوجوب فيقتضي إثبات الشيء بنفسه ، وهو محال.
فالجواب : أنّ من المعلوم بالضّرورة أنّ كل ما أمر الله به فهو مرغب فيه مندوب إليه ، فلو حملنا قوله «استجيبوا» على هذا المعنى كان ذلك جاريا مجرى إيضاح الواضحات وهو عبث ، فوجب حمله على فائدة زائدة ، وهي الوجوب صونا لهذا النصّ عن التعطيل.
ويؤيده ما روى أبو هريرة أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم مرّ على باب أبي بن كعب فناداه وهو في الصّلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال : «ما منعك عن إجابتي»؟ فقال : كنت أصلّي ، فقال : «أليس الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) فلامه على ترك الإجابة متمسكا بهذه الآية (٢).
__________________
(١) عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي أو لرجل من قومه يسمى سهم الغنوي وصدره :
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى |
|
... |
ينظر مجاز القرآن ١ / ٦٧ ، ١١٧ ، ٢٤٥ والنوادر لأبي زيد ٣٧ والأصمعيات ٩٦ وتأويل المشكل (٢٣٠) وزاد المسير ١ / ١٨٦ واللسان (جوب) وأمالي القالي ٢ / ١٥١ والاقتضاب ٤٥٩ ومعاني الزجاج ١ / ٢٥٥ ، ٢ / ٤٠٩ ، والحجة لأبي علي ١ / ٢٦٥ ومعاني الأخفش ١ / ٢٠٨.
(٢) أخرجه النسائي (٢ / ١٣٩) والبيهقي (٢ / ٣٦٨) والحاكم (١ / ٥٥٨) والترمذي (٥ / ١٨٤) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ٤٦٧) والطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٢) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.
وقال الترمذي : حسن صحيح.