وقرأ أبو جعفر والأعمش والزّهريّ (١) «مذوما» بواو واحدة من دون همز وهي تحتمل وجهين :
أحدهما ـ ولا ينبغي أن يعدل عنه ـ أنّه تخفيف «مذؤوما» في القراءة الشّهيرة بأن ألقيت حركة الهمزة على الذّال السّاكنة ، وحذفت الهمزة على القاعدة المشتهرة في تخفيف مثله ، فوزن الكلمة آل إلى «مفول» لحذف العين.
والثاني : أنّ هذه القراءة مأخوذة من لغة من يقول : ذمته أذيمه كبعته أبيعه ، وكان من حقّ اسم المفعول في هذه اللّغة مذيم كمبيع قالوا : إلا أنّه أبدلت الواو من الياء على حدّ قولهم «مكول» في «مكيل» مع أنّه من الكيل ومثل هذه القراءة في احتمال الوجهين قول أميّة بن أبي الصّلت في البيت المتقدّم أنشده الواحديّ على لغة «ذامه» بالألف «يذيمه» بالياء ، وليته جعله محتملا للتّخفيف من لغة الهمز.
والدّحر : الطّرد والإبعاد يقال : دحره ، يدحره دحرا ، ودحورا ؛ ومنه : (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً) [الصافات : ٨ ، ٩] ؛ وقول أميّة في البيت المتقدم «لعينا دحيرا».
وقوله أيضا : [الكامل]
٢٤٢٧ ـ وبإذنه سجدوا لآدم كلّهم |
|
إلّا لعينا خاطئا مدحورا (٢) |
وقال الآخر : [الوافر]
٢٤٢٨ ـ دحرت بني الحصيب إلى قديد |
|
وقد كانوا ذوي أشر وفخر (٣) |
[قال ابن عباس : «مذءوما أي : ممقوتا» (٤)].
وقال قتادة : «مذءوما مدحورا أي : لعينا شقيّا» (٥).
وقال الكلبيّ : «مذموما ملوما مدحورا مقصيّا من الجنّة ومن كلّ خير»](٦).
قوله : (لَمَنْ تَبِعَكَ) في هذه «اللّام» وفي «من» وجهان :
أظهرهما : أنّ اللّام هي الموطّئة لقسم محذوف ، و «من» شرطيّة في محلّ رفع بالابتداء ، و «لأملأنّ» جواب القسم المدلول عليه بلام التوطئة ، وجواب الشّرط محذوف لسدّ جواب القسم مسدّه. وقد تقدّم إيضاح ذلك مرارا.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٨١ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٧٨ ، والدر المصون ٣ / ٣٤٤ ، والتخريجات النحوية ٣٢٥.
(٢) البيت ينظر : ديوانه ٢٣٥ ، تفسير الرازي ١٤ / ٤٤ ، الدر المصون ٣ / ٣٤٥.
(٣) البيت ينظر : تفسير ابن عطية ٣ / ٥١ ، الدر المصون ٣ / ٢٤٥ ، البحر المحيط ٤ / ٢٦٦.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٨).
(٥) انظر : البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ٢٧٨).
(٦) انظر : البحر المحيط ٤ / ٢٧٨.