فإن قيل : مسألة الأمر ـ يفيد الوجوب ـ مسألة قطعيّة ، فلا يجوز التمسك فيها بخبر الواحد.
فالجواب : لا نسلم أنّ مسألة الأمر ـ يفيد الوجوب ـ مسألة قطعية ، بل هي ظنيّة ؛ لأن المقصود منها العمل ، والدلائل الظنية كافية في العمل.
فإن قيل : إنّ الله تعالى ما أمر بالإجابة مطلقا ، بل بشرط خاص ، وهو قوله : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) فلم قلتم إنّ هذا الشرط الخاص حاصل في جميع الأوامر؟.
فالجواب : أنّ قصة أبي تدلّ على أنّ هذا الحكم عام ليس مخصصا بشرط معين ، وأيضا فلا يمكن حمل الحياة ههنا على نفس الحياة ؛ لأنّ إحياء الحيّ محال ؛ فوجب حمله على شيء آخر وهو الفوز بالثواب ، وكل ما دعا الله إليه ورغب فيه مشتمل على الثواب ، فكان هذا الحكم عاما في جميع الأوامر.
فصل
في المراد بقوله : (لِما يُحْيِيكُمْ) وجوه :
أحدها : قال السّديّ : هو الإيمان والإسلام وفيه الحياة (١) ، وقال قتادة : يعني القرآن فيه الحياة والنّجاة (٢). وقال مجاهد : هو الحق (٣).
وقال ابن إسحاق : الجهاد أعزكم الله فيه بعد الذّلّ ، وقال القتيبيّ : الشّهادة ، قال تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ١٦٩].
قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) قال الواحديّ حكاية عن ابن عباس ، والضحاك : يحول بين المرء الكافر وطاعته ، ويحول بين المطيع ومعصيته ، فالسّعيد من أسعده الله ، والشقيّ من أضله الله ، والقلوب بيده يقلبها كيف يشاء (٤).
وقال السّديّ : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه (٥).
وقال سعيد بن جبير ، وعطاء : يحول بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان (٦).
وقيل : إنّ القوم لمّا دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١١) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٠).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٢) وانظر معالم التنزيل للبغوي (٦ / ٢١١).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٣).
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٢١٤) والحاكم (٢ / ٣٢٨) عن ابن عباس وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٠) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وحنيش بن أصرم في الاستقامة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وأخرجه الطبري أيضا (٦ / ٢١٤) عن الضحاك. وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤١).
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٥) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤١).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٣) وانظر معالم التنزيل (٢ / ٢٤١) وأخرجه الطبري أيضا عن ابن عباس (٦ / ٢١٣ ـ ٢١٤).