قوله «تخافون» فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه خبر ثالث.
والثاني : أنّه صفة ل «قليل» وقد بدىء بالوصف بالمفرد ، ثم بالجملة.
الثالث : أن يكون حالا من الضّمير المستتر في «مستضعفون».
فصل
المعنى : واذكروا يا معشر المهاجرين : (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) في العدد : (مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) أي : أرض مكّة في ابتداء الإسلام : «(تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) تذهب بكم النّاس يعني كفار مكّة.
وقال عكرمة «كفّار العرب لقربهم منهم وشدة عداوتهم لهم» (١).
وقال وهب : «فارس والرّوم» (٢) «فآواكم» إلى المدينة «وأيّدكم بنصره» أي : قوّاكم يوم بدر بالأنصار. وقال الكلبيّ : «قوّاك يوم بدر بالملائكة» (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني الغنائم أحلّها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم.
ثم قال : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : نقلناكم من الشّدّة إلى الرّخاء ، ومن البلاء إلى النّعماء حتى تشتغلوا بالشكر والطاعة ، وتتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب الأنفال.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(٢٨)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) الآية.
لمّا ذكر أنّه رزقهم من الطّيبات ، فههنا منعهم من الخيانة ، واختلفوا في تلك الخيانة.
فقال ابن عبّاس : نزلت في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى قريظة لمّا حاصرهم وكان أهله وولده فيهم. فقالوا : ما ترى لنا ، أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه ، إنّه الذبح فلا تفعلوا ، فكان منه خيانة لله ورسوله (٣).
وقال السديّ «كانوا يسمعون الشيء من النبي صلىاللهعليهوسلم فيفشونه ويبلغونه إلى المشركين فنهاهم الله عزوجل عن ذلك» (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٨) عن عكرمة وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٢).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٨ ـ ٢١٩) عن وهب وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٢) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٠) عن عبد الله بن أبي قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٣) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٢) عن الزهري والسدي.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢١) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٢).