وقال ابن زيد : «نهاهم الله أن يخونوا كما صنع المنافقون يظهرون الإيمان ، ويسرون الكفر» (١).
وقال جابر بن عبد الله : «إنّ أبا سفيان خرج من مكّة فعلم النبي صلىاللهعليهوسلم خروجه ، وعزم على الذهاب إليه ، فكتب رجل من المنافقين إليه أنّ محمدا يريدكم ، فخذوا حذركم فنزلت الآية» (٢). وقال الكلبيّ والأصمّ والزهريّ : «نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكّة لمّا همّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالخروج إليها» (٣).
فصل
قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ «الخيانة» في القرآن بإزاء خمسة معان :
الأول : أنّ المراد بالخيانة : الذّنب في الإسلام ، كهذه الآية ، لمّا نزلت في أبي لبابة.
الثاني : الخيانة : السرقة ، قال تعالى : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) [النساء : ١٠٥] نزلت في طعمة ، لمّا سرق الدرعين.
الثالث : نقض العهد ، قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) [الأنفال : ٥٨].
الرابع : الخيانة : المخالفة ، قال تعالى : (فَخانَتاهُما) أي : خالفتاهما في الدين ؛ لأنه يروى أنه ما زنت امرأة نبي قط.
الخامس : الخيانة : الزّنا ، قال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) [يوسف : ٥٢] يعني : الزنا.
فصل
قال القاضي : «الأقرب : أنّ خيانة الله غير خيانة رسوله ، وخيانة الرّسول غير خيانة الأمانة ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة».
وإذا عرف ذلك فنقول : إنّه تعالى أمرهم أن لا يخونوا الغنائم ، وجعل ذلك خيانة لله ؛ لأنّه خيانة لعطيته وخيانة لرسوله ؛ لأنه القيم بقسمها ، فمن خانها فقد خان الرّسول ، وهذه الغنيمة قد جعلها الله أمانة في أيدي الغانمين ، وألزمهم أن لا يتناولوا لأنفسهم منها شيئا فصارت وديعة.
والوديعة أمانة في يد المودع ، فمن خان منهم فيها فقد خان أمانة النّاس.
إذ الخيانة ضد الأمانة.
قال : ويحتمل أن يريد بالأمانة كل ما تعبد به ، وعلى هذا التقدير : فيدخل فيه
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٢) عن ابن زيد.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٣) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٢٢) عن الكلبي والزهري. وذكر البغوي عنهما (٢ / ٢٤٢) أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري.