فقال : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) لأنّها تشغل القلب بالدّنيا.
ثم قال : (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي : أنّ سعادة الآخرة خير من سعادات الدّنيا ، لأنّ سعادات الآخرة لا نهاية لها ، وسعادات الدنيا تفنى وتنقضي.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(٢٩)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) الآية.
لمّا حذّر من الفتنة بالأموال ، والأولاد ، رغّب في التّقوى الموجبة لترك الميل ، والهوى في محبّة الأموال والأولاد.
فإن قيل : إدخال الشّرط في الحكم إنّما يحسن في حقّ من كان جاهلا بعواقب الأمور وذلك لا يليق بالله تعالى.
فالجواب : أنّ قولنا إن كان كذا كان كذا لا يفيد إلّا كون الشّرط مستلزما للجواب ، فأمّا أنّ وقوع الشّرط مشكوك فيه ، أو معلوم فذلك غير مستفاد من هذا اللّفظ ، سلّمنا أنّه يفيد هذا الشّك إلّا أنه تعالى يعامل العباد في الجزاء معاملة الشّاك ، وعليه يخرّج قوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد : ٣١].
قال أبو العباس المقرىء : «الفرقان» على أربعة أوجه :
الأول : الفرقان النور ، كهذه الآية أي : يجعل لكم نورا في قلوبكم تفرّقون به بين الحلال والحرام.
والثاني : الحجة.
قال تعالى (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) [البقرة : ٥٣] أي : الحجة.
الثالث : القرآن. قال تعالى (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) [الفرقان : ١] أي : القرآن.
الرابع : يوم بدر قال تعالى (يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) [الأنفال : ٤١] أي : يوم بدر.
فصل
ومعنى الآية : إن تتّقوا الله بطاعته وترك معصيته يجعل لكم فرقانا.
قال مجاهد : «مخرجا في الدّنيا والآخرة من الضّلال» (١) وقال مقاتل : «مخرجا في الدّين من الشّبهات» (٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٣) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٤) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.
وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٣).
(٢) انظر معالم التنزيل للبغوي (٢ / ٢٤٣).