وأمّا قول بعضهم : إنّه من أسماء الله ـ تبارك وتعالى ـ فأبعد ؛ لأنه ليس جعله اسما لله أولى من جعله اسما لبعض رسله من الملائكة ، أو الأنبياء ـ عليهم ، وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة والسّلام ـ ، ولأن الاسم إنّما يصير للمسمّى بواسطة الوضع والاصطلاح وذلك مفقود هنا ، بل الحقّ أنّ قول : «المص» اسم لقب لهذه السّورة الكريمة ، وأسماء الألقاب لا تفيد ههنا فائدة في المسمّيات ، بل هي قائمة مقام الإرشادات (١) ، ولله ـ تبارك وتعالى ـ سبحانه أن يسمّي هذه السورة بقوله : «المص» كما أنّ الواحد منّا إذا حدث له ولد فإنّه يسمّيه بمحمّد.
قوله : «كتاب» : يجوز أن يكون خبرا عن الأحرف قبله ، وأن يكون خبرا لمبتدأ مضمر ، أي : هو كتاب ، كذا قدّره الزّمخشريّ (٢).
ويجوز أن يكون كتاب مبتدأ و «أنزل» صفته و «فلا تكن» خبره ، والفاء زائدة على رأي الأخفش (٣) أي : كتاب موصوف بالإنزال إليك ، لا يكن في صدرك حرج منه ، وهو بعيد جدّا. والقائم مقام الفاعل في «أنزل» ضمير عائد على الكتاب ، ولا يجوز أن يكون الجارّ ؛ لئلا تخلو الصفة من عائد.
والمراد بالكتاب القرآن الكريم.
فإن قيل : الدّليل الذي دلّ على صحّة نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم هو أن الله ـ تبارك وتعالى جدّه لا إله إلّا هو ـ خصّه بإنزال هذا القرآن عليه فما لم نعرف هذا المعنى لا يمكننا أن نعرف نبوته ، وما لم نعرف نبوته لا يمكننا أن نحتج بقوله فلو أثبتنا كون هذه السورة نازلة من عند الله ـ تبارك وتعالى ـ بقوله لزم الدّور؟
فالجواب : نحن نعلم بمحض العقل أنّ هذه السورة الكريمة كتاب أنزل إليه من عند الله ؛ لأنه عليه أفضل الصّلاة والسّلام ما تتلمذ لأستاذ ، ولا تعلم من معلّم ، ولا طالع كتابا ، ولم يخالط العلماء والشّعراء وأهل الأخبار ، وانقضى من عمره صلىاللهعليهوسلم أربعون سنة ولم يتفق له شيء من هذه الأحوال ، ثم بعد الأربعين ظهر له هذا الكتاب العزيز المشتمل على علوم الأولين والأخرين ، والعقل يشهد بأنّ هذا لا يحصل إلا بطريق الوحي من عند الله ـ تبارك وتعالى ـ ؛ فثبت بهذا الدّليل العقلي أن هذا الكتاب أنزل على محمّد صلىاللهعليهوسلم من عند ربه وإلهه عزوجل (٤).
فصل في دحض شبهة خلق القرآن
احتج القائلون بخلق القرآن الكريم بقوله : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ، فوصف بكونه منزلا
__________________
(١) في تفسير الرازي : الإشارات.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٨٥.
(٣) ينظر : معاني القرآن للأخفش ١ / ١٢٤.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ١٤.