قوله «ليثبتوك» متعلّق ب «يمكر» والتثبيت هنا الضّرب ، حتّى لا يبقى للمضروب حركة ؛ قال : [البسيط]
٢٦٩٨ ـ فقلت : ويحك ماذا في صحيفتكم؟ |
|
قالوا : الخليفة أمسى مثبتا وجعا (١) |
وقرأ (٢) ابن وثّاب «ليثبّتوك» فعدّاه بالتضعيف ، وقرأ النخعي (٣) «ليبيتوك» من البيات والمعنى :
قال ابن عبّاس : ليوثقوك ومن شد فقد أثبت ؛ لأنّه لا يقدر على الحركة ، ولهذا يقال لمن اشتدّت به علة أو جراحة تمنعه من الحركة قد أثبت فلان ، فهو مثبت (٤).
وقيل : ليسجنوك ، وقيل : ليثبتوك في بيت ، أو يقتلوك ، وهو ما حكي من أبي جهل «أو يخرجوك» من مكّة كما تقدم.
ثم قال : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) قال الضحاك : يصنعون ويصنع الله ، والمكر من الله التدبير بالحقّ ، وقيل : يجازيهم جزاء المكر. (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) وقد تقدّم الكلام في تفسير «المكر» في حق الله تعالى في آل عمران عند قوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ).
فإن قيل : كيف قال (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) ولا خير في مكرهم؟.
فالجواب من وجوه : أحدها : أنّ المراد أقوى الماكرين ، فوضع «خير» موضع «أقوى» تنبيها على أنّ كلّ مكر ، فإنّه يبطل في مقابلة فعل الله تعالى.
وثانيها : أنّ المراد لو قدر في مكرهم ما يكون خيرا.
وثالثها : أنّ المراد ليس هو التفضيل ، بل المراد أنّه في نفسه خير كقولك : الزبد خير من
الله ، أي : من عند الله.
قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٣١)
قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) الآية.
لمّا حكى مكرهم في ذات محمّد ، حكى مكرهم في دين محمّد.
روي أنّ النّضر بن الحارث كان يختلف تاجرا إلى فارس والحيرة فيسمع أخبار رستم وسفنديار ، وأحاديث العجم ، واشترى أحاديث كليلة ودمنة ، ويمر باليهود
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٨١ ، القرطبي ٧ / ٢٥٢ ، والدر اللقيط ٤ / ٤٨٧ وروح المعاني ٩ / ١٩٧ ، والدر المصون ٣ / ٤١٤.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢١٥ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥١٩ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨١ ، الدر المصون ٣ / ٤١٤.
(٣) المصدر السابق.
(٤) جاء في لسان العرب : ثبت وأثبت فلان ، فهو مثبت إذا اشتدت به علته أو أثبته جراحه فلم يتحرك.