والنصارى فيراهم يقرءون التوراة والإنجيل ، ويركعون ويسجدون فجاء مكّة فوجد محمداصلىاللهعليهوسلم يصلّي ويقرأ القرآن ، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم فيقرأ عليهم أساطير الأوّلين أخبار الأمم الماضية وأسماءهم ، وما سطر الأولون في كتبهم.
وكان يزعم أنها مثل ما يذكره محمّد من قصص الأولين ، فهذا هو المراد من قوله : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، والأساطير : جمع أسطورة وهي المكتوبة.
فإن قيل : الاعتماد على كون القرآن معجزا هو أنّ الله تعالى تحدّى العرب بمعارضته فلم يأتوا بها ، وهذه الآية تدلّ على أنه أتى بالمعارضة.
فالجواب : أن كلمة «لو» تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، فقوله : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) يدلّ على أنه ما شاء ذلك القول ، وما قالوا ؛ فثبت أنّ النضر بن الحارث أقرّ أنّه ما أتى بالمعارضة ، وإنّما أخبر أنه لو شاء أتى بها ، والمقصود إنّما يحصل لو أتى بالمعارضة أمّا مجرّد هذا القول ، فلا فائدة فيه.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣٤)
قوله : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ).
نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدّار.
قال ابن عباس : لمّا قصّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم شأن القرون الماضية قال النّضر : لو شئت لقلت مثل هذا إن هذا إلا ما سطر الأوّلون في كتبهم.
فقال له عثمان بن مظعون : اتق الله فإن محمدا يقول الحقّ ، قال : وأنا أقول الحق.
قال عثمان : فإنّ محمدا يقول : لا إله إلّا الله ، قال : وأنا أقول : لا إله إلّا الله ولكن هذه بنات الله ، يعني : الأصنام.
ثم قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) الذي يقوله محمد «هو الحقّ من عندك» (١).
فإن قيل : في الآية إشكال من وجهين :
أحدهما : أن قوله (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ) الآية. حكاه الله عن كلام الكفّار ، وهو من جنس نظم القرآن ، فقد حصلت المعارضة في هذا وحكي عنهم في
__________________
(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٥).