وقال الحسن : قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) [الأنفال : ٣٣] منسوخة بقوله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) [الأنفال : ٣٤].
قوله (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنّها استئنافية ، والهاء تعود على المسجد أي : وما كانوا أولياء المسجد.
والثاني : أنّها نسق على الجملة الحاليّة قبلها وهي : (وَهُمْ يَصُدُّونَ) والمعنى : كيف لا يعذّبهم الله ، وهم متّصفون بهذين الوصفين : صدّهم عن المسجد الحرام ، وانتفاء كونهم أولياءه؟ ويجوز أن يعود الضّمير على الله تعالى ، أي : لم يكونوا أولياء الله.
فصل
قال الحسن : كان المشركون يقولون : نحن أولياء المسجد الحرام ، فردّ الله عليهم بقوله : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) أي : أولياء البيت : «إنّ أولياؤه» أي : ليس أولياء البيت (إِلَّا الْمُتَّقُونَ) يعني المؤمنين الذين يتّقون الشرك ، ويحترزون عن المنكرات ، كالذي كانوا يفعلونه عند البيت ، فلهذا قال بعده : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) ولكن أكثرهم لا يعلمون (١).
قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(٣٥)
لمّا ذكر أنّهم ليسوا أولياء البيت الحرام بيّن ههنا ما به خرجوا من أن يكونوا أولياء البيت ، وهو أنّ صلاتهم عند البيت إنّما كان بالمكاء والتّصدية.
أي : ما كان شيء ممّا يعدّونه صلاة وعبادة إلا هذين الفعلين ، وهما المكاء والتصدية أي : إن كان لهم صلاة فلا تكن إلّا هذين ، كقول الشّاعر : [الطويل]
٢٧٠٠ ـ وما كنت أخشى أن يكون عطاؤه |
|
أداهم سودا أو محدرجة سمرا (٢) |
فأقام القيود ، والسّياط مقام العطاء ، والمكاء : مصدر مكا يمكو ، أي : صفر بين أصابعه أو بين كفّيه.
قال الأصمعي : قلت لمنتجع بن نبهان : ما تمكو فريصته؟.
فشبّك بين أصابعه ، وجعلها على فيه ، ونفخ فيها. يريد قول عنترة : [الكامل]
٢٧٠١ ـ وحليل غانية تركت مجدّلا |
|
تمكو فريصته كشدق الأعلم (٣) |
يقال : مكت الفريصة ، أي : صوّتت بالدّم ، ومكت است الدّابة ، أي : نفخت بالرّيح
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٣٦) والبغوي (٢ / ٢٤٧.
(٢) انظر : المصادر السابقة.
(٣) تقدم.