قوله (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر والمعاصي ، بالتّوبة والإيمان ، فإنّ الله عالم لا يخفى عليه شيء يوصل إليهم ثوابهم.
قرأ الحسن (١) ويعقوب وسليمان بن سلام : (بِما تَعْلَمُونَ) بتاء الخطاب ؛ (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : عن التوبة والإيمان ، (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) أي : وليكم وهو يحفظكم ، ويدفع البلاء «عنكم».
وفي «مولاكم» وجهان :
أظهرهما : أنّ «مولاكم» هو الخبر ، و (نِعْمَ الْمَوْلى) جملة مستقلة سيقت للمدح.
والثاني : أن يكون بدلا من «الله» والجملة المدحيّة خبر ل «أنّ» والمخصوص بالمدح محذوف ، أي : نعم المولى الله ، أو ربّكم. وكلّ ما كان في حماية هذا المولى ، ومن كان في حفظه ، كان آمنا من الآفات مصونا عن المخوفات.
قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٤٤)
قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية.
لمّا أمر بقتال الكفار بقوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ) وعند المقاتلة قد تحصل الغنيمة ، ذكر تعالى حكم الغنيمة ، والظّاهر أنّ «ما» هذه موصولة بمعنى «الّذي» ، وكان من حقّها أن تكتب منفصلة من «أنّ» كما كتبت : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) [الأنعام : ١٣٤] منفصلة ، ولكن كذا رسمت. و «غنمتم» صلتها ، وعائدها محذوف لاستكمال الشّروط ، أي : غنمتموه.
وقوله (فَأَنَّ لِلَّهِ) الفاء مزيدة في الخبر ؛ لأنّ المبتدأ ضمّن معنى الشّرط ، ولا يضرّ دخول الناسخ عليه ؛ لأنه لم يغيّر معناه ، وهذا كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) ثم قال : «فلهم» والأخفش مع تجويزه زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقا ، يمنع زيادتها في الموصول المشبه بالشّرط إذا دخلت عليه «إنّ» المكسورة ، وآية البروج [١٠] حجّة عليه.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٢٠ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٢٨ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨٩ ، الدر المصون ٣ / ٤١٩.