قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ)(٥٤)
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
نزلت في المشركين حين أقبلوا إلى بدر ، ولهم بغي وفخر. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها ، وفخرها تجادل وتكذّب رسولك ، اللهمّ فنصرك الذي وعدتني».
ولمّا رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره ، أرسل إلى قريش إنكم إنّما خرجتم لتمنعوا عيركم فقد نجّاها الله ، فارجعوا ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتّى نرد بدرا ـ وكان في بدر موسم من مواسم العرب ، يجتمع لهم بها سوق كل عام ـ فنقيم بها ثلاثا ، فننحر الجزور ، ونطعم الطّعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدا. فوافوها فسقوا كئوس المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النّوائح مكان القيان ، فنهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم ، وأمرهم بإخلاص النّية ، والحسبة في نصر دينه ومؤازرة نبيه.
واعلم أنّه تعالى وصفهم بثلاثة أشياء :
أحدها : البطر.
قال الزّجّاج : البطر : الطغيان في النعمة وترك شكرها.
وثانيها : الرّئاء ، وهو إظهار الجميل ليرى ، مع أنّ باطنه يكون قبيحا.
والفرق بينه وبين النفاق : أنّ النفاق : إظهار الإيمان مع إبطان الكفر ، والرئاء : إظهار الطّاعة مع إبطان المعصية.