وهذه من جملة النعم التي خصّ الله أهل بدر بها ، وفي العامل في «إذ» وجوه : قيل : تقديره اذكر إذ زيّن لهم ، وقيل : عطف على ما تقدم من تذكير النعم ، وتقديره : واذكروا إذ يريكموهم وإذ زيّن.
وقيل : هو عطف على قوله : (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) تقديره : ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم ؛ فتكون الواو للحال ، و «قد» مضمرة بعد الواو ، عند من يشترط ذلك والله أعلم.
فصل
في هذا التّزيين وجهان :
الأول : أن الشيطان زيّن بوسوسته من غير أن يتحوّل في صورة إنسان ، وهو قول الحسن(١) والأصم.
والثاني : أنّه ظهر في سورة إنسان.
قالوا : إن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني بكر بن كنانة ؛ لأنّهم كانوا قتلوا منهم واحدا ، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم ، فتصوّر لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، وهو في بني بكر بن كنانة من أشرافهم في جند من الشياطين ، ومعه راية ، وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإني جار لكم ، مجيركم ، من بني كنانة ، (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) أي : التقى الجمعان ، رأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء ، فعلم أن لا طاقة لهم بهم «نكص على عقبيه» وكانت يده في يد الحارث بن هشام ، فلما نكص ، قال الحارث : أتخذلنا في هذه الحال؟.
فقال : إني أرى ما لا ترون ودفع في صدر الحارث وانهزموا.
قوله : «لا غالب لكم» لكم خبر «لا» فيتعلق بمحذوف ، و «اليوم» منصوب بما تعلّق به الخبر ، ولا يجوز أن يكون «لكم» أو الظرف متعلقا ب «غالب» ؛ لأنه يكون مطوّلا ومتى كان مطوّلا أعرب نصبا.
قوله «من النّاس» بيان لجنس الغالب.
وقيل : هو حال من الضّمير في «لكم» لتضمّنه معنى الاستقرار ، ومنع أبو البقاء أن يكون «من النّاس» حالا من الضمير في «غالب» ، قال : «لأنّ اسم «لا» إذا عمل فيما بعده أعرب» والأمر كذلك.
قوله (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) يجوز في هذه الجملة أن تكون معطوفة على قوله «لا غالب
__________________
(١) ذكره الرازي في تفسيره (١٥ / ١٤٠).