بالسيف وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم» (١) وقال ابن جريح «يريد ما أقبل منهم وما أدبر يضربون أجسادهم كلها». والمراد بالتوفي : القتل.
قوله (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) هذا منصوب بإضمار قول الملائكة ، أي : يضربونهم ويقولون لهم : ذوقوا. وقيل : الواو في «يضربون» للمؤمنين أي : يضربونهم حال القتال ، وحال توفّي أرواحهم الملائكة.
قيل : كان مع الملائكة مقامع من حديد ، يضربون بها الكفّار ، فتلتهب النّار في جراحاتهم ؛ فذلك قوله : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) ، وقال الحسن ـ رضي الله عنه ـ : «هذا يوم القيامة ، تقول لهم خزنة جهنم : ذوقوا عذاب الحريق» (٢) وقال ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ : «يقولون لهم ذلك بعد الموت» (٣).
قوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ).
أي : ذلك الضرب الذي وقع بكم ، أو عذاب الحريق : «بما قدّمت أيديكم» بما كسبت أيديكم وهذا إخبار عن قول الملائكة ـ عليهمالسلام ـ.
قال الواحديّ : «يجوز أن يقال «ذلك» مبتدأ ، وخبره «بما قدّمت أيديكم» ويجوز أن يكون خبره محذوفا ، والتقدير : ذلك جزاؤكم بما قدمت أيديكم ، ويجوز أن يكون محل «ذلك» نصبا والتقدير : فعلنا ذلك بما قدمت أيديكم».
فصل
فإن قيل : قوله (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) يقتضي أنّ فاعل هذا الفعل هو اليد ، وذلك ممتنع لوجوه ، أولها : أنّ هذا العذاب إنما وصل إليهم بسبب كفرهم ، ومحل الكفر هو القلب لا اليد وثانيها : أن اليد ليست محلّا للمعرفة والعلم ، فلا يتوجّه التكليف عليها ، فلا يمكن إيصال العذاب إليها.
فالجواب : أن اليد ههنا عبارة عن القدرة وحسن هذا المجاز كون اليد آلة العمل ، والقدرة هي المؤثرة في العمل ، فحسن جعل اليد كناية عن القدرة.
واعلم أنّ الإنسان جوهر واحد ، وهو الفعال ، وهو الدراك ، وهو المؤمن ، وهو الكافر وهو المطيع ، وهو العاصي ، وهذه الأعضاء آلات له ، وأدوات له في الفعل ؛ فأضيف الفعل في الظّاهر إلى الآله ، وهو في الحقيقة مضاف إلى جوهر ذات الإنسان.
فإن قيل : إنّه جعل هذا العقاب ، إنّما تولّد من الفعل الذي صدر عنه ، والعقاب إنما يتولّد من العقائد الباطلة.
__________________
(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٥٦) والرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٤٢).
(٢) انظر : المصدر السابق.
(٣) انظر : المصدر السابق.