و (عَلى سَواءٍ) حال إمّا من الفاعل ، أي : انبذها ، وأنت على طريق قصد ، أي : كائنا على عدل ، فلا تبغتهم بالقتال بل أعلمهم به ، وإمّا من الفاعل والمفعول معا ، أي : كائنين على استواء في العلم ، أو في العداوة.
وقرأ العامّة بفتح السّين ، وزيد بن علي بكسرها (١) ، وهي لغة تقدم التنبيه عليها أول البقرة.
فصل
المعنى : وإمّا تعلمنّ يا محمد (مِنْ قَوْمٍ) معاهدين : «خيانة» نقض عهد بما يظهر لك منهم من آثار الغدر ، كما يظهر من قريظة والنضير : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) فاطرح «إليهم» عهدهم (عَلى سَواءٍ).
يقول : أعلمهم قبل حربك إيّاهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتّى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد سواء ، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب معهم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) هذه الجملة يحتمل أن تكون تعليلا معنويا للأمر بنبذ العهد على عدل ، وهو إعلامهم ، وأن تكون مستأنفة ، سيقت لذمّ من خان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ونقض عهده.
قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية.
قرأ ابن (٢) عامر وحمزة وحفص عن عاصم «يحسبنّ» بياء الغيبة هنا ، وفي النور في قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ) [النور : ٥٧] كذلك ، خلا حفصا ، والباقون بتاء الخطاب ، وفي قراءة الغيبة تخريجات كثيرة سبق نظائرها في أواخر آل عمران ، ولا بدّ من التنبيه هنا على ما تقدّم ، فمنها : أنّ الفعل مسند إلى ضمير يفسّره السياق ، تقديره : ولا يحسبنّ هو أي : قبيل المؤمنين ، أو الرسول ، أو حاسب.
أو يكون الضمير عائدا على : (مَنْ خَلْفَهُمْ).
وعلى هذه الأقوال ، فيجوز أن يكون (الَّذِينَ كَفَرُوا) مفعولا أول و «سبقوا» جملة في محل نصب مفعولا ثانيا.
وقيل : الفعل مسند إلى (الَّذِينَ كَفَرُوا) ثم اختلف هؤلاء في المفعولين ، فقال قوم : الأول محذوف تقديره : ولا يحسبنّهم الذين كفروا سبقوا ، ف «هم» مفعول أول ، و «سبقوا» في محل الثاني ، أو يكون التقدير : لا يحسبنّ الذين كفروا أنفسهم سبقوا. وهو في المعنى كالذي قبله.
وقال قوم : بل «أن» الموصولة محذوفة ، وهي وما في حيّزها سادة مسدّ المفعولين ، والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا ، فحذفت «أن» الموصولة وبقيت صلتها ،
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٥٠٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٢٩.
(٢) ينظر : السبعة ص (٣٠٧) ، الحجة ٤ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، حجة القراءات ص (٣١٢) إعراب القراءات ١ / ٢٣٠ ، إتحاف ٢ / ٨١ ـ ٨٢.