هذا استثناء مفرّغ وهو مفعول من أجله فقدّره البصريّون إلّا كراهة أن تكونا ، وقدّره الكوفيّون إلّا أن لا تكونا ، وقد تقدّم مرارا أنّ قول البصريّين أولى ؛ لأنّ إضمار الاسم أحسن من إضمار الحرف.
وقرأ الجمهور «ملكين» بفتح اللّام. وقرأ (١) عليّ ، وابن عباس والحسن ، والضّحّاك ، ويحيى بن أبي كثير والزّهريّ وابن حكيم عن ابن كثير «ملكين» بكسرها قالوا : ويؤيّد هذه القراءة قوله في موضع آخر : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] والملك يناسب الملك بالكسر. وأتى بقوله «من الخالدين» ولم يقل «أو تكونا خالدين» مبالغة في ذلك ؛ لأنّ الوصف بالخلود أهمّ من الملكية أو الملك (٢) ، فإنّ قولك : «فلان من الصّالحين» أبلغ من قولك صالح ، وعليه (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢].
فصل في بيان قوله ما نهاكما ربكما
هذا الكلام يمكن أن يكون ذكره إبليس مخاطبا لآدم وحواء ، ويمكن أن يكون بوسوسة أوقعها في قلبيهما ، والأمران مرويّان إلّا أنّ الأغلب أنّه كان على سبيل المخاطبة بدليل قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).
والمعنى : أنّ إبليس قال لهما هذا الكلام ، وأراد به إن أكلتما تكونا بمنزلة الملائكة ، أو تكونا من الخالدين إن أكلتما ، فرغبهما بأن أوهمهما أنّ من أكلها صار كذلك ، وأنّه تعالى إنّما نهاكما عنها لكي لا يكونا بمنزلة الملائكة ، ولا يخلدا.
وفي الآية سؤالات :
السّؤال الأول : كيف أطمع إبليس آدم أن يكون ملكا عند الأكل من الشّجرة مع أنّه شاهد الملائكة متواضعين ساجدين له معترفين بفضله؟ (٣).
والجواب من وجوه :
أحدها : أنّ هذا المعنى أحد ما يدلّ على أن الملائكة الذين سجدوا لآدم هم ملائكة الأرض ، أمّا ملائكة السّموات وسكان العرش والكرسيّ ، والملائكة المقرّبون فما سجدوا لآدم ألبتّة. ولو كانوا قد سجدوا له لكان هذا التّطميع فاسدا مختلّا.
وثانيها : نقل الواحديّ (٤) عن بعضهم أنّه قال : إنّ آدم علم أنّ الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة ، ولم يعلم ذلك لنفسه فعرض عليه إبليس أن يصير مثل الملك في البقاء. وضعّف هذا بأنّه لو كان المطلوب من الملائكة هو الخلود فحينئذ لا يبقى فرق بين قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) وبين قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ).
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٨٥ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٨٠ ، والدر المصون ٣ / ٢٤٨.
(٢) في الدر : الملكية.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٣٩.
(٤) ينظر : المصدر السابق.