قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٦٦)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) الآية.
لمّا وعده بالنّصر عند مخادعة الأعداء ، وعده بالنّصر والظفر في هذه الآية مطلقا ، وعلى هذا التقرير لا يلزم منه التكرار ، وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال ، والمراد بقوله (وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنصار.
وعن ابن عبّاس : «نزلت في إسلام عمر» (١).
قال سعيد بن جبير : «أسلم مع النّبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ، ثم أسلم عمر ، فنزلت هذه الآية» (٢).
قال المفسّرون : فعلى هذا القول هذه الآية مكية ، [كتبت في] سورة مدنية بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قوله (وَمَنِ اتَّبَعَكَ) فيه أوجه.
أحدها : أن يكون «من» مرفوع المحلّ ، عطفا على الجلالة ، أي : يكفيك الله والمؤمنون. وبهذا فسّره الحسن البصري وجماعة وهو الظاهر ولا محذور في ذلك من حيث المعنى.
فإن قالوا : من كان الله ناصره امتنع أن يزداد حاله ، أو ينقص بسبب نصرة غير الله ، وأيضا إسناد الحكم إلى المجموع يوهم أنّ الواحد من ذلك المجموع لا يكفي في حصول ذلك المهم وتعالى الله عنه.
ويجاب : بأنّ الكلّ من الله ، إلّا أنّ من أنواع النّصرة ما يحصل بناء على الأسباب المألوفة المعتادة ، ومنها ما يحصل لا بناء على الأسباب المألوفة المعتادة ؛ فلهذا الفرق اعتبر نصر المؤمنين ، وإن كان بعض الناس استصعب كون المؤمنين يكونون كافين النبي صلىاللهعليهوسلم وتأوّل الآية على ما سنذكره.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٥٣) عن ابن عباس.
(٢) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ٣١) عن ابن عباس وعزاه للطبراني وقال : وفيه إسحق بن بشر الكاهلي وهو كذاب.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٦٢) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ وذكره السيوطي (٣ / ٣٦٢) عن سعيد بن جبير وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.