قوله : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) وهذا كالعلّة لتلك الغلبة ؛ لأنّ من لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالمعاد ، فالسعادة ليست عنده إلّا هذه الحياة الدنيويّة ، ومن كان هذ معتقده فإنه يشح بهذه الحياة ولا يعرضها للزوال.
وأمّا من اعتقد أن لا سعادة في هذه الحياة وأنّ السعادة لا تحصل إلّا في الدّار الآخرة ، فإنّه لا يبالي بهذه الحياة الدنيا ، ولا يقيم لها وزنا ، فيقدم على الجهاد بقلب قوي وعزم صحيح ، وإذا كان الأمر كذلك ، كان الواحد في الثبات يقاوم العدد الكثير.
وأيضا : فإن الكفّار إنّما يعولون على قوتهم وشوكتهم ، والمسلمون يستغيثون بربهم بالدعاء ، والتضرع ، ومن كان كذلك كان النصر والظفر به أليق وأولى.
فصل
كان هذا يوم بدر فرض الله على الرّجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين فثقلت على المؤمنين ، فخفّف الله عنهم فقال : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) في الواحد عن قتال العشرة وفي المائة عن قتال الألف.
وقرأ المفضل (١) عن عاصم «وعلم» مبنيا للمفعول ، و (أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) في محلّ رفع لقيامه مقام الفاعل ، وهو في محلّ نصب على المفعول به في قراءة العامة ؛ لأن فاعل الفعل ضمير يعود على الله تعالى.
قوله : «ضعفا» قرأ عاصم (٢) وحمزة هنا ، وفي الرّوم في كلماتها الثلاث (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) [الروم : ٥٤] بفتح الضاد والباقون بضمها. وعن حفص وحده خلاف في الروم.
وقرأ عيسى (٣) بن عمر : «ضعفا» بضم الضاد والعين وكلها مصادر.
وقيل : الضّعف ـ بالفتح ـ في الرأي والعقل ، وبالضم في البدن.
وهذا قول الخليل بن أحمد ، هكذا نقله الراغب عنه. ولمّا نقل ابن عطية هذا عن الثعلبي ، قال : «وهذا القول تردّه القراءة». وقيل : هما بمعنى واحد ، لغتان : لغة الحجاز الضّمّ ، ولغة تميم الفتح ، نقله أبو عمرو ، فيكونان ك : الفقر والفقر ، والمكث والمكث ، والبخل والبخل.
وقرأ ابن (٤) عباس فيما حكى عنه النقاش وأبو جعفر «ضعفاء» جمعا على «فعلاء» ك: ظريف وظرفاء.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٣٥.
(٢) ينظر : السبعة (٣٠٨ ـ ٣٠٩) الحجة ٤ / ١٦١ ـ ١٦٢ ، حجة القراءات ص (٣١٣) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٣ ، النشر ٢ / ٢٧٧ ، إتحاف ٢ / ٨٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧٥٥١ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٦.
(٤) ينظر : إعراب القراءات ١ / ٢٣٣ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٦.