نكاح الحرة : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) [النساء : ٢٥] فكذا ههنا.
وتحقيقه أنّ هؤلاء العشرين كانوا في محلّ أن يقال إنّ ذلك الشرط حاصل فيهم ، فكان ذلك التكليف لازما عليهم فلمّا بيّن الله تعالى أنّ ذلك الشرط غير حاصل فيهم ، وأنّه تعالى علم أن فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فقد تخلصوا عن ذلك الخوف ، فصحّ أن يقال : خفّف الله عنهم ، وممّا يدل على عدم النّسخ أنّه تعالى ذكر هذه الآية مقارنة للآية الأولى ، وجعل النّاسخ مقارنا للمنسوخ لا يجوز.
فإن قيل : المعتبر في النّاسخ والمنسوخ بالنّزول دون التلاوة ، فقد يتقدم الناسخ وقد يتأخر ، ألا ترى في عدة الوفاة الناسخ مقدم على المنسوخ.
فالجواب : أنّ الناسخ لمّا كان مقارنته للمنسوخ لا يجوز في الوجود ، وجب ألا يكون جائزا في الذكر ، اللهم إلّا لدليل قاهر ، وأنتم ما ذكرتم ذلك.
وأمّا قوله في عدة الوفاة الناسخ مقدم على المنسوخ ، فأبو مسلم ينكر كلّ أنواع النسخ في القرآن فكيف يمكن إلزام هذا الكلام عليه؟ فهذا تقرير قول أبي مسلم.
قال ابن الخطيب : «إن ثبت إجماع الأمّة على الإطلاق قبل أبي مسلم على النّسخ فلا كلام ، فإن لم يحصل الإجماع القاطع ؛ فنقول : قول أبي مسلم حسن صحيح».
فصل
احتجّ هشام على قوله : إنّ الله تعالى لا يعلم الجزئيات إلّا عند وقوعها بقوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) فإنّ معنى الآية : الآن علم الله أن فيكم ضعفا ، وهذا يقتضي أنّ علمه تعالى بضعفهم ما حصل إلّا في هذا الوقت.
وأجاب المتكلمون بأنّ معنى الآية : أنّه تعالى قبل حدوث الشيء لا يعلمه حادثا واقعا.
فقوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) معناه : أن الآن حصل العلم بوقوعه وحصوله ، وقبل ذلك كان الحاصل هو العلم بأنه سيقع أو سيحدث.
فصل
الذي استقر عليه حكم التكليف بمقتضى هذه الآية أنّ كلّ مسلم بالغ مكلف وقف بإزاء كافرين ، عبدا كان أو حرا فالهزيمة عليه محرمة ما دام معه سلاح يقاتل ، فإن لم يبق معه سلاح ، فله أن ينهزم ، وإن قاتله ثلاثة حلت له الهزيمة والصبر أحسن.
روى الواحديّ في البسيط : «أنه وقف جيش مؤتة ، وهم ثلاثة ألاف وأمراؤهم على التّعاقب زيد بن حارثة ثمّ جعفر بن أبي طالب ثمّ عبد الله بن رواحة لمائتي ألف من المشركين ، مائة ألف من الرّوم ، ومائة ألف من المستعربة ، وهم لخم وجذام».