قوله : «بإذن الله» أي : أنه لا تقع الغلبة إلّا بإذن الله ، والإذن ههنا هو الإرادة وذلك يدل على مسألة خلق الأفعال ، وإرادة الكائنات.
ثم ختم الآية بقوله : (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) والمراد ما ذكره في الآية الأولى في قوله (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فبيّن ههنا أنّ الله مع الصّابرين والمقصود أن العشرين لو صبروا ووقفوا ، فإنّ نصري معهم وتوفيقي مقارن لهم وهذا يدلّ على صحّة مذهب أبي مسلم ، وهو أن ذلك الحكم لم ينسخ ، بل هو ثابت كما كان فإنّ العشرين إن قدروا على مصابرة المائتين ، بقي ذلك الحكم ، وإن لم يقدروا على مصابرتهم فالحكم المذكور هنا زائل.
قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٦٩)
قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) الآية.
قرأ أبو (١) عمرو «تكون» بالتأنيث ، مراعاة لمعنى الجماعة ، والباقون بالتّذكير ، مراعاة للفظ الجمع ، والجمهور هنا على «أسرى» وهو قياس «فعيل» بمعنى «مفعول» دالّا على أنه ك : جريح وجرحى.
وقرأ ابن القعقاع والمفضّل (٢) عن عاصم «أسارى» شبّهوا «أسير» ب : «كسلان» فجمعوه على «فعالى» ك : «كسالى» ، كما شبّهوا به «كسلان» فجمعوه على «كسلى» ، وقد تقدّم القول فيهما في البقرة.
قال الزمخشريّ : «وقرىء (٣) «ما كان للنّبي» على التعريف.
فإن قيل : كيف حسن إدخال لفظة «كان» على لفظة «يكون» في هذه الآية؟ فالجواب : قوله «ما كان» معناه النفي والتنزيه ، أي : ما يجب وما ينبغي أن يكون المعنى المذكور ، كقوله : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) [مريم : ٣٥].
قال أبو عبيدة «يقول : لم يكن لنبي ذلك ، فلا يكن لك ، ومن قرأ «ما كان للنّبي» فمعناه : أنّ هذا الحكم ما كان ينبغي حصوله لهذا النبي ، وهو محمد عليه الصلاة والسلام».
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ، حجة القراءات ص (٣١٣) ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٣ ، إتحاف ٢ / ٨٣.
(٢) ينظر : السبعة ص (٣٠٩) ، الحجة ٤ / ١٦٣ ـ ١٦٤ ، حجة القراءات ص (٣١٤).
(٣) قرأ بها أبو الدرداء وأبو حيوة.
ينظر : الكشاف ٢ / ٢٣٥ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٢ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٣.