قال قوم : إنّها في العباس خاصة ، وقال آخرون : إنّها نزلت في الكلّ ، وهذا أولى لقوله تعالى : (قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى) ، ولقوله (مِنَ الْأَسْرى) ، ولقوله (فِي قُلُوبِكُمْ) ولقوله : (يُؤْتِكُمْ خَيْراً) ، ولقوله (مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) ، ولقوله : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ، أقصى ما في الباب أن يقال : سبب نزول الآية هو العباس ، إلّا أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
فصل
احتج هشام بن الحكم على أنّه تعالى لا يعلم الشّيء إلّا عند حدوثه بهذه الآية ، لأن قول: (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) فعل كذا ، وكذا شرط وجزاء ، والشّرط هو حصول هذا العلم ، والشرط والجزاء لا يصح حصولهما إلا في المستقبل ، وذلك يوجب حدوث علم الله تعالى.
والجواب : أنّ ظاهر اللفظ وإن كان يقتضي ما ذكره ، إلّا أنه لمّا دلّ الدليل على أن علم الله يمتنع أن يكون محدثا ، وجب أن يقال : ذكر العلم وأراد به المعلوم من حيث إنّه يدل حصول العلم على حصول المعلوم.
قوله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) الآية.
الضمير في «يريدوا» يعود على «الأسرى» ، لأنهم أقرب مذكور.
وقيل : على الجانحين.
وقيل : على اليهود.
وقيل : على كفّار قريش.
قال ابن جريج : أراد بالخيانة الكفر (١) أي : إن كفروا بك فقد كفروا بالله من قبل ، فأمكن منهم المؤمنين ببدر حتى قتلوهم.
وقيل : أراد بالخيانة منع ما ضمنوا من الفداء.
قال الأزهريّ : يقال أمكنني الأمر يمكنني فهو ممكن ، ومفعول الإمكان محذوف ، والمعنى : فأمكن المؤمنين منهم يوم بدر حتى قتلوهم وأسروهم.
ثم قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ) أي : ببواطنهم وضمائرهم : «حكيم» يجازيهم بأعمالهم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي
__________________
(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٢).