الأول : أن لفظ الخلود محمول على طول المكث لا على الدّوام ، فاندفع ما ذكره.
والثاني : هب أنّ الخلود مفسّر بالدّوام إلّا أنّا لا نسلم أنّ اعتقاد الدّوام يوجب الكفر ، وتقريره : أنّ العلم بأنه تعالى هل يميت هذا المكلف ، أو لا يميته؟ علم لا يحصل إلا من دليل السّمع ، فلعله تعالى ما بيّن في وقت آدم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أنّه يميت الخلق ، ولمّا لم يوجد الدّليل السّمعيّ بأن آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يجوز له دوام البقاء فلهذا السّبب رغب فيه ، وعلى هذا التّقدير فالسّؤال غير لازم.
السّؤال الرابع : قد ثبت بما سبق أنّ آدم وحوّاء ـ عليهماالسلام ـ لو صدقا إبليس فيما قال لم يلزم تكفيرهما فهل يقولون : إنّهما صدّقاه فيه قطعا؟ أو لم يحصل القطع ، فهل يقولون : إنّهما ظنّا أن الأمر كما قال ، أو ينكرون هذا الظّنّ أيضا.
فالجواب : أنّ المحقّقين أنكروا حصول هذا التّصديق قطعا وظنا كما نجد أنفسنا عند الشّهوة ، نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه ، وإن لم نعتقد الأمر كما قال.
السّؤال الخامس : قوله (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) هذا التّرغيب ، والتّطميع وقع بمجموع الأمرين ، أو بأحدهما؟ والجواب : قال بعضهم (١) : التّرغيب في مجموع الأمرين ؛ لأنّه أدخل في التّرغيب.
وقيل : بل هو على ظاهره على طريق التّخيير.
قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٢١)
قوله : «وقاسمهما» المفاعلة هنا يحتمل أن تكون على بابها فقال الزّمخشريّ (٢) : «كأنّه قال لهما : أقسم لكما إنّى لمن النّاصحين ، وقالا له : أتقسم بالله أنت إنّك لمن الناصحين لنا فجعل ذلك مقاسمة بينهم ، أو أقسم لهما بالنّصيحة ، وأقسما له بقبولها ، أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة ؛ لأنّه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم».
وقال ابن عطيّة (٣) : «وقاسمهما» أي : حلف لهما ، وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له ، وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره : وإن كان بادىء الرّأي يعطي أنّها من واحد ويحتمل أنّ «فاعل» بمعنى «أفعل» كباعدته ، وأبعدته ، وذلك أنّ قوله الحلف إنّما كان من إبليس دونهما ، وعليه قول خالد بن زهير : [الطويل]
٢٤٣١ ـ وقاسمهما بالله جهدا لأنتم |
|
ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها (٤) |
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٤١.
(٢) ينظر : الكشاف للزمخشري ٢ / ٩٥.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٨٥.
(٤) التهذيب ١٣ / ٦٩ (سلا) ، اللسان (سلا) ، البحر ٤ / ٢٨٠ ، الدر المصون ٣ / ٢٤٨ ، وديوان الهذليين ١ / ٩٥٨.