فوجب كون المسلمين منقطعين عنهم من كل الوجوه ، فلا يكون بينهم ولاية ولا مناصرة.
فصل
قال ابن عباس «يرث المشركون بعضهم من بعض» (١) وهذا إنما يستقيم إذا حملنا الولاية على الإرث ، بل الحق أن يقال : إنّ كفار قريش كانوا في غاية العداوة لليهود فلمّا ظهرت دعوة محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ تناصروا وتعاونوا على إيذائه ومحاربته ، فالمراد من الآية ذلك.
قوله «إلّا تفعلوه» الهاء تعود إمّا على النّصر ، أو الإرث ، أو الميثاق ، أي : حفظه أو على جميع ما تقدّم ذكره ، وهو معنى قول الزمخشريّ : «إلّا تفعلوا ما أمرتكم به».
وقرأ العامة «كبير» بالباء الموحدة ، وقرأ الكسائيّ فيما (٢) حكى عنه أبو موسى الحجازي «كثير» بالثّاء المثلثة ، وهذا قريب ممّا في البقرة.
والمعنى : قال ابن عبّاس : «إلّا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به» (٣). وقال ابن جريج : «إلّا تتعاونوا وتتناصروا» (٤).
وقال غيرهم : إن لم تفعلوا ما أمرتكم به في هذه التّفاصيل المذكورة تحصل فتنة في الأرض ، قوة الكفر ، وفساد كبير ، وضعف الإسلام. وبيان هذه الفتنة والفساد من وجوه : الأول : أنّ المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم ، وزمان قوة الكفار وكثرة عددهم فربما صارت تلك المخالطة سببا لالتحاق المسلم بالكافر. وثانيها : أن المسلمين إذا تفرقوا لم يظهر لهم جمع عظيم ، فيصير ذلك سببا لجراءة الكفار عليهم. وثالثها : إذا كان جمع المسلمين يزيد كل يوم في العدة والقوة ، صار ذلك سببا لمزيد رغبتهم في الإسلام ورغبة المخالف في الالتحاق بهم.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا).
زعم بعضهم أنّ هذه الجملة تكرار للتي قبلها ، وليس كذلك ، فإنّ التي قبلها تضمنت ولاية بعضهم لبعض ، وتقسيم المؤمنين إلى ثلاثة أقسام ، وبيان حكمهم في ولايتهم ، وتناصرهم وهذه تضمّنت الثناء والتشريف والاختصاص ، وما آل إليه حالهم من المغفرة والرزق الكريم والمعنى : «أولئك هم المؤمنون حقّا» لا مرية ولا ريب في إيمانهم ، وقيل : حققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد وبذل المال في الدين ، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الجنة.
__________________
(١) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٤).
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٤٠ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥٥٧ ، البحر المحيط ٤ / ٥١٨ ، الدر المصون ٣ / ٤٣٨.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٩٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٧٣) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٦٤) عن ابن جريج.