وقوله : «في كتاب الله» أي : السهام المذكورة في سورة النّساء ، وأمّا الذين فسّروا الولاية بالنّصرة والتّعظيم قالوا : إنّ تلك الولاية لمّا كانت محتملة للولاية بسبب الميراث بين الله تعالى في هذه الآية أنّ ولاية الإرث إنّما تحصل بسبب القرابة ، إلّا ما خصّ الدليل ، فيكون المقصود من هذا الكلام إزالة هذا الوهم.
فصل
تمسّك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في توريث ذوي الأرحام ، وأجيبوا بأن قوله : (أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) مجمل في الشيء الذي حصلت فيه هذه الأولوية.
فلما قال : «في كتاب الله» كان معناه في الحكم الذي بيّنه الله في كتابه فصارت هذه الأولوية مقيّدة بالأحكام التي بيّنها الله في كتابه وتلك الأحكام ليست إلّا ميراث العصبات ، فيكون المراد من هذا المجمل هو ذلك فقط ، فلا يتعدّى إلى توريث ذوي الأرحام.
فإن قيل : تمسكوا بهذه الآية في أن الإمام بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو علي بن أبي طالب ، لقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) [الأنفال : ٧٥] فدل على ثبوت الأولوية ، وليس في الآية شيء معين في ثبوت هذه الأولوية ؛ فوجب حمله على الكل ، إلّا ما خصّه الدّليل ، فيندرج فيه الإمامة ، ولا يجوز أن يقال : إنّ أبا بكر من أولي الأرحام ، لما نقل أنّه عليه الصلاة والسلام أعطاه سورة براءة ليبلغها إلى القوم ثم بعت عليا خلفه وأمر أن يكون المبلغ هو علي ، وقال : «لا يؤدّيها إلّا رجل منّي» وذلك يدلّ على أنّ أبا بكر ما كان منه.
والجواب : إن صحّت هذه الدلالة كان العباس أولى بالإمامة ؛ لأنّه كان أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من عليّ.
قوله : «في كتاب الله» يجوز أن يتعلّق بنصّ أولها أي : أحق في حكم الله أو في القرآن ، أو في اللوح المحفوظ ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هذا الحكم المذكور في كتاب الله.
ثم قال : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي : أنّ هذه الأحكام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكمة وصواب ، وليس فيها شيء من العبث ؛ لأنّ العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلّا بالصّواب.
روى أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع له يوم القيامة ، وشاهد أنّه بريء من النّفاق وأعطي من الأجر بعدد كلّ منافق ومنافقة في دار الدّنيا عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدنيا» (١).
تمّ الجزء التّاسع ، ويليه الجزء العاشر
وأوّله : تفسير سورة التوبة
__________________
(١) أخرجه الواحدي في الوسيط (٢ / ٤٤٢) من حديث أبي بن كعب. وهو حديث موضوع.