والنّصح : بذل الجهد في طلب الخير خاصّة ، وضدّه الغشّ.
وأمّا «نصحت لزيد ثوبه» فمتعدّ لاثنين ، لأحدهما بنفسه وللثاني بحرف الجرّ باتّفاق ، وكأنّ النّصح الذي هو بذل الجهد في الخير مأخوذ من أحد معنيين : إمّا من نصح أي أخلص ومنه : ناصح العسل أي خالصه ، فمعنى نصحه : أخلص له الودّ ، وإمّا من نصحت الجلد والثّوب إذا أحكمت خياطتهما ، ومنه النّاصح للخيّاط والنّصاح للخيط ، فمعنى نصحه أي : أحكم رأيه منه.
ويقال : نصحه نصوحا ونصاحة قال تعالى : (تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) [التحريم : ٨] بضمّ النّون في قراءة أبي بكر ، وقال الشّاعر في «نصاحة» : [الطويل]
٢٤٣٥ ـ أحببت حبّا خالطته نصاحة |
|
.......... (١) |
وذلك كذهوب ، وذهاب.
قوله تعالى : (فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ)(٢٢)
«الباء» للحال أي : مصاحبين للغرور ، أو مصاحبا للغرور فهي حال : إمّا من الفاعل ، أو من المفعول ويجوز أن تكون الباء سببيّة أي : دلّاهما بسبب أن غرّهما.
والغرور : مصدر حذف فاعله ومفعوله ، والتقدير : بغروره إيّاهما وقوله : «فدلّاهما» يحتمل أن يكون من التدلية من معنى دلا دلوه في البئر ، والمعنى أطمعهما.
قال أبو منصور الأزهريّ (٢) : لهذه الكلمة أصلان :
أحدهما : أن يكون أصله أن الرّجل العطشان يدلي رجله في البئر ليأخذ الماء ، فلا يجد فيها ماء فوضعت التّدلية موضع الطّمع فيما لا فائدة فيه ، يقال : دلّاه : إذا أطعمه.
قال أبو جندب : [الوافر]
٢٤٣٦ ـ أحصّ فلا أجير ومن أجره |
|
فليس كمن تدلّى بالغرور (٣) |
وأن تكون من الدّالّ ، والدّالّة ، وهي الجرأة [أي] : فجرّأهما قال : [الوافر]
٢٤٣٧ ـ أظنّ الحلم دلّ عليّ قومي |
|
وقد يستجهل الرّجل الحليم (٤) |
__________________
(١) ينظر المفردات ص ٧٥٣ ، الدر المصون ٣ / ٢٤٩.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٤١.
(٣) البيت ينظر : ديوان الهذليّين ٣ / ٩١ ، الدر المصون ٣ / ٢٥٠.
(٤) البيت لقيس بن زهير ينظر : اللسان (دلل). شرح الحماسة ١ / ٤٤٩ ، التهذيب ١٤ / ٦٦. الدر المصون ٣ / ٢٥٠.