ويحتمل أن يكون ثمّ قول محذوف ، هي معمولة له أي : فقال : ألم أنهكما.
وقال بعضهم : هذه الجملة في محلّ نصب بقول مقدّر ذلك القول حال تقديره : وناداهما قائلا ذلك.
و «لكما» متعلّق ب «عدوّ» لما فيه من معنى الفعل ، ويجوز أن تكون متعلّقة بمحذوف على أنّها حال من «عدوّ» ؛ لأنّها لو تأخّرت لجاز أن تكون وصفا له.
فصل في قوله «ألم أنهكما»
معنى قوله : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) يعني : عن الأكل منها وأقل لكما : إنّ الشّيطان لكما عدوّ مبين.
قال ابن عبّاس : بيّن العداوة حيث أبى السّجود ، وقال : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ).
قوله تعالى : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٢٣)
قوله : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا :) ضررناها بالمعصية ، وتقدّم تفسيرها في سورة البقرة ، وأنّها تدلّ على صدور الذّنب منه عليه الصّلاة والسّلام ، إلّا أنّا نقول : هذا الذّنب إنّما صدر عنه قبل النّبوّة (١).
وفي قوله : «قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا» فائدة : حذف حرف النداء هنا تعظيم المنادى ، وتنزيهه.
قال مكّي (٢) : كثر نداء الرّبّ بحذف «يا» من القرآن ، وعلّة ذلك أن في حذف «يا» من نداء الرّب معنى التّعظيم والتنزيه ؛ وذلك أنّ النداء فيه طرف من معنى الأمر ؛ لأنّك إذا قلت : يا زيد فمعناه : تعال يا زيد أدعوك يا زيد ، فحذفت «يا» من نداء الرّبّ ليزول معنى الأمر وينقص ، لأنّ «يا» تؤكّده ، وتظهر معناه ، فكان في حذف «يا» الإجلال ، والتعظيم ، والتنزيه.
قوله : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ) هذا شرط حذف جوابه لدلالة جواب القسم المقدّر عليه ، فإن قيل : حرف الشّرط لام التّوطئة للقسم مقدرة كقوله : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَ) [المائدة : ٧٣] ويدلّ على ذلك كثرة ورود لام التّوطئة قبل أداة الشّرط في كلامهم. وتقدّم إعراب ما بعد ذلك في البقرة.
قوله تعالى : (قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٢٤)
وهذا خطاب يجب أن يتناول الثلاثة الذين تقدّم ذكرهم وهم : آدم ، وحوّاء ، وإبليس ، فالعداوة ثابتة بين الإنس والجنّ ، لا تزول ألبتّة.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٤٢.
(٢) ينظر : المشكل ١ / ٣٠٨.