قوله تعالى : (قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ)(٢٥)
الكناية عائدة إلى الأرض المذكورة في قوله : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ).
وقرأ الأخوان (١) وابن ذكوان «تخرجون» هنا ، وفي الجاثية [٣٥] (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) ، وفي الزخرف [١١] : و (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) ، وفي أوّل الروم [١٩] : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ وَمِنْ آياتِهِ).
قرءوا الجميع مبنيا للفاعل ، والباقون قرءوه مبنيّا للمفعول ، وفي أوّل الرّوم خلاف عن ابن ذكوان ، واحترزنا بأوّل الروم [٢٥] عن قوله : (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [فإنّه قرأ](٢) مبنيا للفاعل (٣) من غير خلاف ، ولم يذكر بعضهم موافقة ابن ذكوان للأخوين في الجاثية. والقراءتان واضحتان.
قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(٢٦)
في نظم الآية وجهان :
أحدهما : أنّه تعالى لمّا بيّن أنّه أمر آدم وحوّاء بالهبوط إلى الأرض ، وجعل الأرض لهما مستقرّا بين بعده أنّه تعالى أنزل كلّ ما يحتاجون إليه في الدّنيا ، ومن جملة ما يحتاج إليه في الدّين والدّنيا اللّباس (٤).
والثاني : أنّه تعالى لمّا ذكر واقعة آدم في انكشاف العورة ، وأنّه كان يخصف الورق على عورتيهما ، أتبعه بأن بيّن أنّه خلق اللّباس للخلق ، ليستروا به عورتهم ، ونبه بتكون الأشياء التي يحصل منها اللّباس ، فصار كأنّه تعالى أنزل اللّباس أي : أنزل أسبابه ، فعبّر بالسّبب عن المسبّب.
وقيل : معنى «أنزلنا» أي : خلقنا لكم.
وقيل : كلّ بركات الأرض منسوبة إلى السّماء كقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) [لحديد: ٢٥] وإنّما يستخرج الحديد من الأرض ، وقوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦].
وسبب نزول هذه الآية أنّهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، ويقولون : لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها ، فكان الرّجال يطوفون بالنّهار ، والنّساء باللّيل عراة (٥). قال قتادة :
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٧٩ ، والحجة ٤ / ٩ ـ ١٠ ، وحجة القراءات ٢٨٠ ، وإعراب القراءات ١ / ١٧٧ ، والعنوان ٩٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٩١ ، ٢٩٢ ، وشرح شعلة ٣٨٧ ، وإتحاف ٢ / ٤٥.
(٢) في الدر : قرىء.
(٣) ينظر القراءة السابقة.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٤٢.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٥٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٤٠) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.