كانت المرأة تطوف ، وتضع يدها على فرجها ، وتقول : [الرجز]
٢٤٤٤ ـ اليوم يبدو بعضه أو كلّه |
|
وما بدا منه فلا أحلّه |
فأمر الله تعالى بالسّتر فقال : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ)(١) يستر عوراتكم ، واحدتها سوءة ، سمّيت بها ؛ لأنّه يسوء صاحبها انكشافها ، فلا يطوف عاريا.
قوله : «يواري» : في محلّ نصب صفة ل «لباسا».
وقوله : «وريشا» يحتمل أن يكون من باب عطف الصّفات ، والمعنى : وصف اللّباس بشيئين : مواراة السّوءة ، والزّينة ، وعبّر عنها بالرّيش لأنّ الرّيش زينة للطّائر ، كما أنّ اللّباس زينة للآدميّين ، ولذلك قال الزّمخشريّ (٢) : «والرّيش لباس الزّينة ، استعير من ريش الطّير ؛ لأنّه لباسه وزينته».
ويحتمل أن يكون من باب عطف الشّيء على غيره أي : أنزلنا عليكم لباسين ، لباسا موصوفا بالمواراة ، ولباسا موصوفا بالزّينة ، وهذا اختيار الزّمخشريّ ، فإنّه قال بعد ما حكيته عنه آنفا : «أي : أنزلنا عليكم لباسين ، لباسا يواري سوءاتكم ، ولباسا يزيّنكم ؛ لأنّ الزّينة غرض صحيح كما قال تعالى : (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل : ٨] (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) [النحل : ٦] وعلى هذا ، فالكلام في قوة حذف موصوف ، وإقامة صفته مقامه ، والتّقدير : ولباسا ريشا أي : ذا ريش».
فصل في وجوب ستر العورة
قال القرطبيّ (٣) : استدلّ كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب ستر عوراتهم ، وذلك يدلّ على الأمر بالسّتر ، ولا خلاف في وجوب ستر العورة.
واختلفوا في العورة ما هي؟ فقال ابن أبي ذئب : هي القبل والدّبر فقط ، وهو قول أهل الظّاهر ، وابن أبي عبلة والطّبريّ لقوله تعالى : (لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) ، وقوله : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) [الأعراف : ٢٢] ، وقوله : (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) [الأعراف : ٢٧].
وفي البخاريّ عن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حسر الإزار عن فخذه حتّى إنّي أنظر إلى بياض فخذ نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال مالك : «ليست السّرّة بعورة ، وأكره له أن يكشف فخذه».
__________________
(١) أخرجه مسلم ٤ / ٤٣٢٠ كتاب التفسير باب في قوله تعالى : خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ حديث (٢٥ / ٣٠٢٨) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا قال : «كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فتقول : من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها ، وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله |
|
فما باد منه فلا أحله |
فنزلت هذه الآية : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).
(٢) ينظر الكشاف للزمخشري ٢ / ٩٠٧.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١١٧.