«لباس» ، وأمّا «لبوس» فلم يعينوها : هل هي بفتح اللام فيكون مثل قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) [الأنبياء : ٨٠]؟ أو بضمّ اللّام على أنّه جمع؟ وهو مشكل ، وأكثر ما يتخيّل له أن يكون جمع لبس بكسر اللام بمعنى ملبوس.
قوله : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) مبتدأ وخبر ، والإشارة به إلى جميع ما تقدّم من إنزال اللّباس والرّيش ولباس التّقوى.
وقيل : بل هو إشارة لأقرب مذكور ، وهو لباس التقوى فقط.
فصل في المراد ب «لباس التقوى»
اختلفوا في لباس التّقوى ، فقيل : هو نفس الملبوس ، وقيل : غيره. وأما الأوّل ففيه (١) وجوه :
أحدها : هو اللّباس المواري للسّوءة ، وإنّما أعاده الله لأجل أن يخبر عنه بأنّه خير ؛ لأنّ أهل الجاهليّة كانوا يتعبّدون بالعري في الطّواف بالبيت ، فجرى هذا التّكرير مجرى قول القائل : «قد عرّفتك الصّدق في أبواب البرّ ، والصّدق خير لك من غيره» ، فيعيد ذكر الصّدق ليخبر عنه بذلك المعنى.
وثانيها : لباس التّقوى هو الدّروع والجواشن (٢) والمغافر ، وما يتقى به في الحروب.
وثالثها : لباس التّقوى ما يلبس لأجل إقامة الصّلاة.
ورابعها : هو الصّوف والثّياب الخشنة التي يلبسها أهل الورع.
وأمّا القول الثّاني ، فيحمل لباس التّقوى على المجاز.
وقال قتادة والسّدّيّ وابن جريج : هو الإيمان.
وقال ابن عباس : هو العمل الصّالح (٣).
وقال عثمان بن عفّان والكلبيّ : السّمت الحسن (٤).
وقال الكلبيّ : العفاف والتّوحيد ؛ لأنّ المؤمن لا تبدو عورته وإن كان عاريا من الثّياب ، والفاجر لا تزال عورته مكشوفة وإن كان كاسيا (٥).
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٤ / ٤٣.
(٢) أخرجه الطبري (٤ / ٤٥٨) عن قتادة والسدي وابن جريج وذكره الرازي في «تفسيره» (١٤ / ٤٣ ـ ٤٤) وابن كثير (٣ / ٣٩٦) والقرطبي (٧ / ١١٩) وأبو حيان في «البحر المحيط» (٤ / ٢٨٤).
(٣) أخرجه الطبري ٥ / ٤٥٨ عن قتادة والسدي وابن جريج وذكره الرازي في تفسيره ١٤ / ٤٣ ـ ٤٤ ، وابن كثير.
(٤) أخرجه الطبري ٥ / ٤٥٨ ، وذكره الرازي في تفسيره ١٤ / ٤٣ ـ ٤٤ ، وابن كثير ٣ / ٣٩٦ ، وأبو حيان في البحر المحيط ٤ / ٢٨٤.
(٥) ينظر : المصدر السابق.